أفكاري مشتتة، أردت أن أكتب مقالة كعادتي كل أسبوع، فشعرت كأنني أريد أن أكتب رسالة إلى الوطن. ورغم أن الانترنيت والنشر الالكتروني جعلا المسافات بين الدول مجرد وهم، إلا أن كل شيء من حولي هنا يذكرني بأني بعيد جدا عن الوطن.
الوطن الذي تذكرتُ مطاره الذي يعجّ بالضجيج وبالصفوف وبالملل وبالوقت الضائع في البحث عن وجهتك… مباشرة وبعد نزولي بمطار نيويورك . بعد هبوط من الطائرة، وجدت صفا من رجال الأمن يبتسمون أمام البوابة لإرشاد المسافرين، لا يعطونك فرصة لتشعر بأنك ضائع في بلاد جديدة. وبعد وقوفي بمصلحة الجوازات طلبت مني سيدة بشوشة ذات لكنة جزائرية أن أرافقها، لم اشعر بالخوف أبدا. أوقفتني أمام جهاز لأخذ بصماتي وصورة لي، وفي لمح البصر كان ما كان. ثم وقفت بعدها أمام موظف الجوازات، إنه الشخص الوحيد الذي يملك مصير الحالمين بالدخول أمريكا، يوافق على دخولك أو يقوم بترحيلك. لم يأخذ الأمر منه أكثر من 10 ثواني حتى ختم على جوازي قائلا بلكنة أمريكية: مرحبا بكم في أمريكا، لديكم جواز سفر جميل و رائع “. وابتسم. شكرته قائلا جواز سفركم اروع
غادرت مكتب الجوازات…بمجرد خروجي من مطار كينيدي، استنشقت هواء مختلفا، قد يكون مثل الهواء الذي عشت أشمه في الدار البيضاء، ولكنه هواء نيويورك، أشعر به الآن في أنفي بعطر مختلف، أخذت منه نفسا عميقا، و خيل لي أني استنشق عطر حبيبتي بمنتهى العشق. وأول شئ فعلته؛ أشعلت سيجارتي بعد انقطاع دام 9 ساعات، وتذكرتُ الوطن.
في انتظار أخي الذي سيأتي ليقلني إلى حياتي سأقضي لياليّ الأولى هنا، رأيت كيف أن حراس الأمن يتحدثون بأدب مع الناس، وسمعت الناس كيف يتحدثون مع بعضهم في الخارج. تصوروا أن الرجل الأمن الأمريكي لا يمكنه أن يحدثك دون أن يقول “من فضلك سيدي سيدتي”، و يختم قوله ب “شكرا “. ومرة أخرى، تذكرت الوطن.
وصل أخي في الوقت المحدد، وركبت السيارة معه لتبدأ رحلة اكتشافاتي الأولى. سرنا في طريق عالية الجودة من الطريق السريع المكون من ثلاث ممرات، هناك ممر خاص بالشاحنات و الحافلات،وعرفت أن أي مخالفة لهذا الممر تستوجب دفع غرامة 2500 دولار. فحياة المواطنين ليست لعبة لدى الحكومة الامريكية، حياة المواطنين ليست رخيصة أبدا هنا.
ورغم أني نمت في الطريق جراء التعب، إلا أنني كلما صحوت لأعدل جلسي يصدمني جمال ونظافة المكان الذي نمر به. لماذا الطرقات نظيفة هكذا؟ يعني لماذا طرقاتنا متسخة؟ لماذا لسنا نظيفين وجميلين مثل هؤلاء الناس؟ هل هم فعلا بشر مثلنا أم كائنات متطورة جدا؟ حدّثني أخي في الطريق بأن في هذه الأيام هناك حملة شرسة بنيوجيرسي ضد انشاء كازينو، والسبب هو أن الكازينو يحطم الأسر ويشتت العائلات و أحد أسباب القدوم على الانتحار. وعرفت أن بيع السجائر و لعب اللوطو ممنوع على من هم أقل من 18 سنة، والخمور ممنوعة على أقل من 21 سنة. وفي حالة مخالفة القانون، تصل الغرامة إلى 250 الف دولار مع إغلاق المحل. هنا تذكرت الوطن أيضا، ولكن تذكرت من يوقع على رخص بيع الخمور لغير المسلمين و لم يشر إلى السن المسموح به للمستهلكين.
توقفنا في احدى محطات الإستراحة لتناول العشاء بمجرد دخولك تستقبلك لا فتة أخدم نفسك حيث يمكنك تناول ما شئت من المأكولات مقابل 7 دولار و هنا أيضا تذكرت الوطن
عند خروجنا اصررت على شرب كوب قهوة و لحسن حظي كانت هناك مقهى ستاربكس تناولنا كوبنا من القهوة و رحلنا…فهذه المقهى أنشئت خصيصا للموظفين و العمال المتوجهين لعملهم لشرب قهوتهم الصباحية في وقت قياسي و ليس لأخذ صور أمام اسم مقهى ووضعها على الفايسبوك و هنا تذكرت الوطن
وصلت إلى البيت، ومن تعبي الشديد ارتميت فوق السرير، لكنني لم أنم، فلقد ظللت اسأل نفسي: باش الميريكان أحسن منا؟