أشرف مجدول
كان مشروع مارينا سيدي رحال حلماً راود مئات المغاربة المقيمين بالخارج، الذين استثمروا فيه أموالهم وحنينهم إلى الوطن، طامحين في ملاذ هادئ يُعانق البحر ويحتضن ذكريات الغربة. لكن سرعان ما انقلب الحلم إلى كابوس يومي، حيث لا قانون يُحترم، ولا كرامة تُصان، ولا مؤسسة تُحاسب. فمنذ أن تم تنصيب “سانديك” غير شرعي بتزوير فج وتواطؤ مكشوف مع صاحب المشروع، بدأت فصول الفوضى تتوالى، في ظل صمت مريب من الجهات الوصية، وقرارات تُتخذ بأصوات أشخاص لا يملكون حتى شهادة ملكية، في مهزلة قانونية لا تحدث إلا في مشاريع لا تخضع لأي مراقبة.
انهارت البنية التحتية وتفككت مظاهر العيش الكريم: مسبح أصبح بؤرة للجراثيم يهدد صحة الأطفال، حدائق تحولت إلى أطلال مهملة، وشوارع أصبحت ملاذًا للمخدرات والخمور أمام أنظار الجميع. أما مشهد سقوط طفل داخل الإقامة دون تدخل أو إسعاف، فلخّص كل شيء، حين اضطرت والدته إلى الاستعانة بسائق تطبيق خاص لنقله إلى المستشفى، رغم أن رسوم التأمين مشمولة في واجبات “السانديك”.
الجمع العام الأخير لم يكن سوى فصل إضافي من هذا العبث، انتخاب بالإجماع في جلسة تفتقر لأي شفافية، وتمرير زيادات مالية جديدة بذريعة ربط الإقامة بالألياف البصرية وإنشاء ممر نحو البحر، وعود كاذبة سرعان ما عرّاها عامل إقليم برشيد الجديد، الذي وخلال زيارة ميدانية واحدة، كشف عن تعديات خطيرة على الملك البحري، وحواجز إسمنتية وحديدية تمنع المواطنين من حقهم الدستوري في ولوج الشاطئ، في سابقة تُظهر حجم الاستغلال والاستهتار الذي تمارسه بعض الجهات وكأنها فوق القانون.
اليوم، أزيد من ثلاثين أسرة عرضت شققها للبيع، والعدد مرشح للارتفاع هذا الصيف، مع عودة الملاك المقيمين بالخارج الذين ذاقوا مرارة الإهانة والخذلان. المغاربة الذين جاءوا حاملين الحنين والدفاتر البنكية، غادروا حاملين الحسرة وعبارة “ندمنا حيث شرينا”. لأن مارينا سيدي رحال لم تعد مجرد إقامة سكنية، بل صارت مرآة تعكس أزمة أعمق: أزمة في تسيير المشاريع العقارية، في حماية حقوق المواطن، وفي هيبة القانون.
ليست هذه قصة عقار، بل قصة كرامة شعب. وإن لم تتحرك الدولة، فسيبقى السؤال معلّقًا في أفواه المغاربة: هل نحن مواطنون، أم مجرد زبائن يُستغل حنينهم للوطن ويُلقى بهم في دوامة الإهمال والاحتقار؟