fbpx
الرئيسية » أخبار وطنية » النقل المدرسي بين المجانية والاستغلال السياسي والسلطوي لرؤساء الجماعات.

النقل المدرسي بين المجانية والاستغلال السياسي والسلطوي لرؤساء الجماعات.

شكل النقل المدرسي العمومي إحدى المحاور الأساسية لروح وفلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ إطلاقها سنه 2005 من طرف الملك محمد السادس، ساهمت إلى حد كبير في سير تنقل المتمدرس إلى المؤسسات التعليمية بالعالم القروي والحد من الهدر المدرسي وكذا النهوض بتمدرس الفتاة القروية.

هذا ولا يختلف اثنان أن جلالة الملك أسس مجموعة من المبادرات والأوراش منها مشروع تيسير والنقل المدرسي والمطاعم المدرسية والمدرسة الجماعاتية والتكوين المهني، في إطار تدعيم التمدرس بالعالم القروي والمناطق النائية وتعميم التعليم والقضاء على الهدر المدرسي إلى حدود المستوى التاسع أو بلوغ سن 15 سنة ومكافحة الإقصاء الاجتماعي، ولا شك أنها خففت من عبء الأسر وساهمت في التشجيع على مواصلة المسيرة الدراسية والحد من الهدر المدرسي خاصة في صفوف الفتيات والفئات الهشة بصفة عامة.

وإذا كان برنامج محاربة الفقر بالعالم القروي الذي شكل إحدى البرامج المهمة في المرحلة الأولى والثانية من برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية باقتناء العديد من حافلات النقل المدرسي بالمغرب، فإن البرنامج الرابع للدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة أولى عناية فائقة ومهمة بالتمدرس على الصعيد القروي وساهم في التخفيف من المعاناة اليومية للتلاميذ المتمدرسين في المناطق المعوزة.

كما أن الشراكة بين اللجان الإقليمية للتنمية البشرية ومجالس العمالات والأقاليم والجماعات الترابية والجمعيات المسيرة للنقل المدرسي وشركاء آخرين  شكلت اختيارا استراتيجيا في مجال دعم التمدرس بالعالم القروي عبر توفير أسطول مهم من سيارات وحافلات النقل المدرسي التي أعطت دينامية قوية لقطاع التربية والتكوين على مستوى الأقاليم والنسيج الجمعوي المحلي والإقليمي، وحل مشاكل بعد المؤسسات التعليمية عن مساكن التلميذات والتلاميذ وتدليل الصعاب الاقتصادية والجغرافية التي تواجههم، والمساهمة إلى حد كبير في معالجة بعض الاختلالات والنواقص التي تعرفها قضية التعليم في المغرب سواء المرتبط بالجودة او بتدبير الزمن المدرسي او الحكامة الجيدة لآليات الدعم الاجتماعي.

هذا ونستنتج مما سبق أنه بالرغم من إيجابيات النقل المدرسي فإن هناك العديد من المشاكل التي تؤثر سلبا على تدخلاته لتحقيق المبتغى يمكن إجمالها في مشكل الحكامة الداخلية للجمعيات التي تسير حافلات النقل المدرسي والإشكاليات التدبيرية والمالية التي تنتابها، وإشكالية مجانية استفادة التلاميذ والتلميذات بحكم ان الإطارات المتعاقدة لتدبير حافلات وسيارات النقل المدرسي تخول الاستفادة بشكل مجاني، إلا أن المساهمات المالية التي تقدم للجمعيات المدبرة مازالت تؤرق أسر التلاميذ والتلميذات المستفيدين، إضافة إلى أن التوزيع المجالي والجغرافي لسيارات وحافلات النقل المدرسي مازالت تتحكم فيه النظرة السياسية الضيقة لأعضاء مجالس الجماعات الترابية، والإشكاليات المرتبطة بالتمويل والتأمين، الفحص التقني، الضريبة على السيارات والحافلات، الكازوال والزيوت قطع الغيار، أجرة المستخدمين كلها عوامل لازالت  تطرح العديد من المشاكل بالجماعات الترابية التي تتهرب من مسؤوليتها في هذا الشأن.

مما يقتضي وطبيعة المرحلة فتح نقاش عمومي حول النقل المدرسي قصد بسط الإشكاليات التي تواجه الجمعيات المسيرة والعمل على إيجاد حلول للإشكاليات التدبيرية والمالية، كما يتوجب الانخراط الإيجابي لجميع المتدخلين المعنيين من أجل توسيع شبكة الخدمة لما لها من أثر إيجابي على الفئات الاجتماعية الفقيرة والمجالات الجغرافية الهشة بناء على التعاقدات السابقة حول تسيير النقل المدرسي والمجهودات لتأمين خدمات نقل التلاميذ والعمل على تأهيل هذا المرفق وضمان استمراريته، خاصة وأن بعض المجالس الجماعية، قررت باستشارة مع أعضاء المكتب مجانية هذه الخدمات لكن واجهت جملة من المشاكل والإكراهات التي اعترضت الجمعيات المتعاقدة معها حول تسيير النقل المدرسي  خاصة انه بعد التأكد من المقتضيات القانونية ومن اختصاصات الجماعات الترابية تبين لبعض المجالس الجماعية أن النقل المدرسي من اختصاص المجلس الإقليمي بصريح العبارة تبعا للمادة 79 من القانون التنظيمي 14-112، وهو اختصاص ذاتي حصري، خاصة أنه لم يرد بالقانون التنظيمي للجماعات رقم 14-113 أية إشارة إلى اختصاص ذاتي للجماعات يتعلق بهذا المرفق الخدماتي، مما أصبح معه القرار الإداري الجماعي المذكور أعلاه بمثابة ترامي على اختصاص الغير.

لذلك تراجعت بعض المجالس بصفة مطلقة عن أي تدخل في هذا المرفق الخدماتي وعن أية مشاركة مباشرة في تدبيره، واقتصر تدخلها في المرافعة والدفاع المستميت عن حق التلاميذ للاستفادة من هذه الخدمة بشكل يستجيب للمواصفات اللائقة ويراعي العدد المتزايد لتلاميذ التعليم الإعدادي والثانوي، بالموازاة مع المطالب الملحة والمستمرة لبعض المجالس الجادة بإحداث ثانويات إعدادية ومطالبة السلطات الإقليمية باعتبارها سلطة المراقبة الإدارية التدخل العاجل لإعمال القانون وحث الشركاء المعنيين بالأمر بتحمل مسؤولياتهم كاملة في هذا الإطار طبقا للقانون التنظيمي 14-112 خاصة أن تدخل مجلس الجهة بمرفق النقل المدرسي غير قانوني، ولا توجد علاقة مباشرة في إطار الاختصاصات الذاتية للجماعات  بهذا المرفق الخدماتي المتعلق بالتلاميذ، حسب القانون التنظيمي رقم 14-111.

لكن يبقى هناك إشكالات قائمة بذاتها حول النقل المدرسي على اعتبار أنه هبة وطنية وأن خدماته مجانية، وتدبيره على حساب الجماعة الموكول لها بشراكة مع جمعيات التي تتوخى في قوانينها هذه الأهداف، فهل التزمت الجماعات والجمعيات بشرطي المجانية والحيادية؟ ولم جل الجماعات والجمعيات تخلت عن هذا الشرط واعتمدت المساهمة الملزمة لكل مستفيد متحدية التعليمات والأهداف المتوخاة من النقل المدرسي؟ ومن يحاسب هؤلاء على هذه التجاوزات ؟ امام غياب الحيادية والمساواة في توزيع النقل المدرسي والاستفادة منه تبدأ من الجهة المانحة سواء كان مجلس الجهة أو الإقليم، حيث نلاحظ غياب الشفافية في التوزيع والاستفادة، إذ هناك تفاوت كبير وفضيع في توزيع سيارات النقل المدرسي على الجماعات، ففي الوقت الذي نلاحظ أن بعضها يتوفر على أسطول من الحافلات نجد أن البعض الآخر لا يملك إلا سيارة واحدة أو إثنتين ، وفي هذه الحالة نتساءل بأي منطق يتم توزيع هذه السيارات والحافلات على الجماعات ؟

كما ان الجهات المانحة وقفت بشكل ملموس على أن الجماعات المستفيدة من النقل المدرسي لم تحسن تدبير هذا القطاع بل تعاملت معه بكل شطط لاستغلال السلطة والمنصب، فاستفاد من استفاد وحرم من حرم، ابتداء من اختيار السائقين المؤهلين وانتهاء بالمستفيدين من التلاميذ، ناهيك عن غياب المقاربة التشاركية في كيفية تدبير النقل مع الجهات التي تسهر عليه، حيث أن كثير من الجماعات منحت تسيير النقل الى الجمعيات الموالية، ومنهم من خلق جمعيات في 24 ساعة من الأقارب لمنحها حق تدبير النقل دون غيرها، وهناك بعض المجالس التي تكلفت بتدبيره بنفسها دون إشراك أي جمعية وهكذا تحول النقل المدرسي الى قضية سياسية وريع انتخابي بامتياز في ظل  سياق  تحولات عميقة تعرفها المملكة المغربية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية التي تمليها البيئة الوطنية والدولية، بفضل  الأوراش الكبرى التي بادرت المؤسسة الملكية إلى فتحها لتشكل دعما وسندا وضابطا مؤطرا للسياسات العمومية الوطنية والترابية لمواكبة التحولات الدولية. 

ويبقى ملف النقل المدرسي رهين التدبير العشوائي رغم انه يتغذى من اعتمادات مهمة من قطاع الوزارة الوصية وميزانيات المجالس المنتخبة محليا، إقليميا وجهويا، وأموال وزارة الداخلية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ومساهمات مختلفة لمحسنين وجمعيات وطنية ودولية للأسف الشديد عرضة الهدر والنهب لفائدة المنتخبين والموالين لهم ممن يشرفون على سيارات النقل المدرسي باسم جمعيات في معظمها صورية يكون الرئيس وأمين المال هما المهيمنين على تدبيرها المالي والإداري والمشرفين على تسجيل التلاميذ المستفيدين والمتحكمين في تحديد المسارات الطرقية الخاصة بكل حافلة، والاكثر من ذلك ان هناك مجموعة من حافلات النقل المدرسي التي تسلم لبعض الجماعات الترابية تبقى مركونة داخل مستودع الجماعة أو في الخلاء، تتعرض للصدأ والضياع بدعوى أن الجماعة لا تتوفر على سائق أو تعذر عليها إيجاد اعتمادات الصيانة والوقود أو بسبب صراعات داخل مجلسها الجماعي، حول من توكل إليه مهمة الإشراف عليها (باسم جمعية)، فكل عضو يصارع من أجل تمكين موال له بهذه المهمة أملا في نهب أموال الجماعة والمواطنين، لدرجة ان أصبح العرف داخل الجماعات الترابية أن تبادر كل جماعة (اقتنت أو توصلت بحافلة للنقل المدرسي) إلى تأسيس جمعية يعهد إليها الإشراف على الحافلة وتمكنها من منحة سنوية، إضافة الى إجبارية أداء مقابل شهري يستخلص من جيوب أسر التلاميذ المستفيدين لتتحول الجمعية  إلى مشروع استثماري لفائدة أعضاءها لتصبح وسيلة ضغط وابتزاز  للأسر، من أجل ضمان أصواتهم الانتخابية وصمتهم على تجاوزات المنتخبين.

وامام هذا يبقى الحل الأمثل لتقليل مصاريف النقل المدرسي بإقليم ما والحد من تفريخ الجمعيات ووقف نزيف أموال الجماعات وضبط عمل تلك الحافلات وفق برامج ومخططات تخدم كل التلاميذ المعنيين، أن يتم تأسيس جمعية إقليمية، يعهد إليها تدبير أسطول حافلات النقل المدرسي لكل الجماعات الترابية التابعة للإقليم او تتحمل مؤسسة المجلس الإقليمي مسؤوليته القانونية تبعا للمادة 79 من القانون التنظيمي 14-112، بتنسيق مع عامل الإقليم والمدير الإقليمي للتعليم، والجماعات وفق برنامج محدد ومسارات متفق عليها بين مختلف المتدخلين لضخ ما يلزم من مال لتدبير القطاع من أموال الجماعات الترابية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وأطراف أخرى معنية أو مساهمة، حتى تصبح كل حافلات النقل المدرسي تحت إشراف مركز يمكن من حسن تدبيرها وصيانتها لإنصاف التلاميذ المحتاجين للتنقل بعيدا عن الركوب السياسي والعائلي والقبائلي لضمان كرامة الأسر واستقلالها في ممارساتها اليومية.  

بقلم بهيحة بوحافة

شاهد أيضاً

اليوسفية: مدينة تُقصى من الذاكرة الإعلامية رغم حضورها في قلب المشروع الفوسفاطي

الواجهة مرة أخرى، تجد مدينة اليوسفية، ذات التاريخ العريق في استخراج الفوسفاط، نفسها خارج التغطية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *