fbpx
الرئيسية » أخبار وطنية » لا سبيل لمواجهة الأزمة إلا بالتضامن وحدة الصف الوطني

لا سبيل لمواجهة الأزمة إلا بالتضامن وحدة الصف الوطني

بقلم : يونس التايب

مؤشرات عديدة تؤكد أن العالم سيستمر ضمن دائرة التوتر في العلاقات بين الأطراف الفاعلة في السياسة الدولية، على خلفية الصراع الجيوستراتيجي القوي الدائر حول مناطق النفوذ والمصالح الاقتصادية الكبرى. ومن نتائج ذلك، استمرار اللااستقرار في الأسواق العالمية للطاقة والمواد الغذائية، وتخلخل التوازنات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في عدد من المناطق بسبب مشاكل في التزود بالمواد الطاقية وارتفاع أثمانها، وتراجع إنتاج مواد غذائية أساسية كالحبوب من أثر الجفاف و التغيرات المناخية غير المسبوقة في عدد من البلدان.

كما أن الأفق سيظل غير واضح المعالم بسبب تظافر عوامل متنوعة، منها: ضغط التضخم و احتمال خروجه عن نطاق السيطرة رغم محاولات الأبناك المركزية ضبط الأمور عبر رفع نسب الفائدة المرجعية؛ وتراجع النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة؛ وتحولات سوق الشغل بفعل تسارع التطور التكنولوجي الذي يقوي حضور الذكاء الصناعي على حساب اليد العاملة، وظهور مهن جديدة تتطلب خبرات غير متوفرة لدى فئات كثيرة تبحث عن العمل.

ويبقى الخطر الأكبر على التوازن الاجتماعي عبر العالم، هو استمرار قوى الرأسمال في تكريس ليبرالية عنيفة غير اجتماعية وغير محافظة على البيئة، لا تخضع لمنطق “اليد الخفية” التي بشر بها الاقتصادي أدام سميث لضمان توازن الأسواق، ولا تتقيد بتدابير الحكامة التي تحترم قواعد المنافسة. ولاشك أن هذا المسار سيبقي الواقع بعيدا عن الاستقرار، إلى حين إحلال نظام عالمي جديد بقواعد متفق عليها، يتيح للقوى الجديدة مكانا في لعبة الأمم، ويحفظ للأطراف الدولية القوية حدا أدنى من مصالحها القائمة.

وبالنظر إلى ارتباك الوضع الدولي، يظل الاحتمال قائما بأن تسوء الأمور في أية لحظة، وتختل التوازنات التي تتحكم في الاقتصاد والنظام المالي العالمي. لذلك، من المهم جدا أن ننتبه إلى تتبع أثر ما يجري في الساحة الدولية على بلادنا، دولة و مجتمعنا، و أن نضع نصب أعيننا كل السيناريوهات والاحتمالات الممكنة، بمنطق اليقظة والاستباقية لكي نحمي المشروع الوطني ضد كل المخاطر.

في رأيي، لا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا عبر ترقية النقاش العمومي، السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي، إلى مستوى استراتيجي يستحضر جميع الأبعاد عند تناول كل قضية وإشكالية، بحرص شديد على أن تظل الجبهة الداخلية موحدة حول ثوابت الأمة المغربية، في إطار شراكة حقيقية في صياغة السياسات العمومية لتعكس روح التضامن الفعلي الذي تستفيد منه كل الفئات المجتمعية.

في هذا الباب، على الحكومة والأحزاب مسؤولية الإنصات لكل الأصوات المنبعثة من المجتمع، سواء المعبر عنها بتلقائية الأفراد في مواقع التواصل الاجتماعي و وسائل الإعلام، أو بشكل منظم في إطار حركات اجتماعية ومدنية، والتفاعل معها بإيجابية وحكمة تمكن من تفكيك ألغام المشاكل الضاغطة في الواقع الوطني.

ولأن الواقع الاجتماعي والاقتصادي قد يعرف مشاكل جديدة، دون سابق إنذار، يتعين الابتعاد عن تمجيد الذات وتزكية “اجتهادات” هذا الطرف أو ذاك، كما لو أنها منتهى الكمال وتمام النجاعة في مواجهة الصعاب المطروحة، والالتزام بخطاب سياسي متزن، و تواصل صادق يحترم ذكاء الناس ويقدر روح المسؤولية لديهم، على اعتبار أنهم يعيشون المشاكل في الواقع بشكل مباشر، و يستوعبون جيدا صعوبة التحديات وثقل المخاطر، ويدركون الهوامش الممكنة والمسارات غير المتاحة. لذلك، على الهيئات التي تمارس الوساطة السياسية وتأطير المواطنين، تفادي خطاب الاستعلاء وتسفيه انتقادات الناس ولو كانت قاسية، وعدم تحميلها ما لا تحمله بغرض تشويهها، لأنه بالتأكيد لا أحد يسعى إلى التشويش من أجل التشويش، كل ما في الحكاية أن المواطنين يبحثون عن إيصال أصواتهم ونقل معاناتهم مع صعوبات الحياة وغلاء المعيشة، للفاعلين السياسيين والحكوميين لعلهم يأخذونها بعين الاعتبار في صياغة البرامج وفي تحديد حجم الميزانيات وتوزيع الاستثمارات العمومية التي يتم إقرارها، وضبط استهداف المستحقين بحسب أولويات الصالح العام والتشخيص الموضوعي للانتظارات بعيدا عن المطالب الفئوية أو الأولويات الحزبية الضيقة.

في هذا السياق، إذا كنا نتفق على أن الواقع معقد و إرث المشاكل ثقيل والإكراهات صعبة، وبعض المشاكل عصية على الحل، إلا أنه لا أحد سيتفهم ابتعاد الفاعل العمومي والحزبي عن نهج الإنصات للناس، ورفض توسيع دائرة الاستشارة مع فعاليات المجتمع، والامتعاض من الأراء المخالفة وجهات النظر المعارضة، لأن تلك المبادئ هي جزء من الوعي السياسي المجتمعي خلال العشرين سنة الماضية، وليس مستحيلا على ذكائنا الجماعي استمرار الالتزام بها والوفاء لروحها.

لذلك، يجب أن نبادر إلى كل ما يقوي الثقة بين المواطنين والمؤسسات، ويرسخ الحل الاستراتيجي الوحيد لمواجهة الأزمة القائمة والمشاكل القادمة، الذي يتأسس على أساسيات لا جدال فيها : الوحدة الوطنية؛ تقوية مقومات السيادة والأمن القومي؛ تعزيز حكامة الشأن العام؛ محاربة الفساد والمتورطين فيه في كل القطاعات وفي الجماعات الترابية؛ تجويد السياسات العمومية وتنويع التدابير الرامية إلى التخفيف عن الفئات الاجتماعية المتوسطة والضعيفة أثر الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار، خاصة ذلك الذي لا تبرره عوامل موضوعية.

شاهد أيضاً

الرباط.. جلالة الملك يصدر العفو السامي على 2097 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد

بمناسبة عيد الفطر السعيد لهذه السنة، تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بإصدار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: