الرئيسية » أخبار وطنية » إعفاء مدير الافتحاص… زلزال قانوني يكشف أعطاب الحكامة بالمؤسسة العمومية.

إعفاء مدير الافتحاص… زلزال قانوني يكشف أعطاب الحكامة بالمؤسسة العمومية.

عرفت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة خلال الأسبوع الأول من يونيو 2025 حدثًا استثنائيًا بإعفاء مدير الافتحاص من مهامه، الذي جاء متزامنًا مع انعقاد المجلس الإداري للمؤسسة يوم الجمعة 6 يونيو، فُهم لدى الكثيرين ليس فقط كقرار إداري، بل كعنوان لمرحلة انفجار التناقضات داخل المؤسسة، فخصوصًا ما يتعلق بشرعية التوظيف و احترام مبدأ الحياد، كما ينص على ذلك الفصل 154 من دستور 2011 الذي يؤطر مبادئ الشفافية، النزاهة، وتكافؤ الفرص في تدبير الشأن العام.

استقلالية الافتحاص على المحك… والخرق واضح

وفقًا للمعايير الدولية للإفتحاص (IIA)، والمذكرة رقم 20/2020 الصادرة عن المفتشية العامة للمالية، فإن وظيفة الافتحاص لا تستقيم إلا بضمان استقلالية تامة، إدارية ومهنية. أي خضوع إداري أو إشراف مباشر من طرف الجهة التي تخضع للمراقبة يُعد نسفًا لهذا الدور. و هو ما عززه كذلك المنشور الوزاري رقم 3‑2011، الذي يمنع تعيين مسؤول افتحاص تابع للمشغّل أو الوزارة الوصية، حفاظًا على مبدأ الحياد.

إعفاء المدير المعني، إذاً، يطرح تساؤلات ليس فقط حول الأداء، بل حول مشروعية تعيينه أساسًا، خاصة إذا تبيّن وجود علاقة ولاء أو مصالح مشتركة أثّرت على وظيفته الرقابية.

من المدير المدلّل… إلى كبش فداء؟

ما يُعقّد هذا الملف أكثر هو ما تم تداوله داخل المؤسسة، ومفاده أن المدير المُعفى لم يكن فقط في موقع شبهة قانونية، بل ارتكب “أخطاء قاتلة” جعلته يتحول من مدير مدلّل إلى موضوع إبعاد فوري. و من أبرز تلك الأخطاء:

 – تورط مباشر في تمرير زيادات ضخمة وغير مبررة لفائدة موظفين تابعين له بمديرية الافتحاص، مما ورّط الرئيس المدير العام نفسه، وخلق حالة استياء داخلي وصلت صداها إلى الجهات العليا.

 – سلوكه العدواني تجاه عدد من المسؤولين والنقابيين، والذي كان موضوع شكايات متكررة، خلّفت انطباعًا عامًا بعدم أهليته للحفاظ على مناخ مهني سليم.

نقابة تكسر الصمت… وتهز جدار الصمت

النقابة الأكثر تمثيلية بالمؤسسة، المنضوية تحت لواء المنظمة الديمقراطية للشغل، لعبت دورًا حاسمًا في كشف المستور. فقد رفعت خلال مسيرة فاتح ماي 2025 لافتة ضخمة تحمل عبارة: “الأجر الخرافي لمدير الافتحاص… إسراف في زمن التقشف”. كما خاضت وقفتين نضاليتين ناجحتين يومي 20 ماي و 03 يونيو أمام دار البريهي، دقّت خلالهما ناقوس الخطر حول مآل الحكامة داخل المؤسسة.

ولذلك، فإن التساؤل الجوهري اليوم هو:

هل الإعفاء جاء نتيجة الضغط النقابي المكثف؟ أم بسبب اختلالات لا يمكن التستر عنها؟ أم هما معًا؟

مسؤولية جماعية… لا تغتفر

وفق مقتضيات الفصل 36 من الدستور، فإن كل من ساهم أو تستر أو استفاد من الوضع غير القانوني لمدير الافتحاص يُعتبر شريكًا في تضارب المصالح وإساءة استعمال السلطة. وعليه، فإن مجرد الإعفاء لا يكفي، بل يجب:

 – فتح تحقيق شامل حول ظروف التوظيف، والتعويضات الاستثنائية الممنوحة.

 – إخضاع كل التقارير والقرارات الصادرة منذ 2018 لمراجعة قانونية، خاصة تلك التي ترتبت عنها تغييرات داخلية أو قرارات مجلس الإدارة.

 – تحديد المسؤوليات الإدارية والسياسية، خصوصًا إذا ثبت أن التعيين لم يحترم مرسوم التباري على المناصب العليا.

ما بين خرق الدستور وتبذير المال العام

-إن هذا الملف لا يمكن فصله عن الإطار الدستوري الذي ينظم عمل الإدارة العمومية، خاصة:

– الفصل 154: الذي يُؤكد على مبادئ الحياد، الشفافية، والمساواة.

– الفصل 159: الذي ينص على إخضاع المرافق العمومية لمعايير الجودة و ربط المسؤولية بالمحاسبة.

– القانون التنظيمي للمالية (130.13): الذي يشترط فعالية الافتحاص كمكون جوهري في مراقبة حسن تدبير المال العام.

مطلب شعبي: لا للإفلات من المحاسبة

المطلوب اليوم ليس فقط مساءلة مدير معفى، بل:

 – محاسبة كل المتورطين في تمرير توظيف غير قانوني.

 – إعادة النظر في منظومة الافتحاص بالمؤسسة بما يضمن استقلالية فعلية.

 – تدخل فوري من المجلس الأعلى للحسابات وهيئة النزاهة والمفتشية العامة للمالية، ليس فقط للوقوف على الخروقات، بل لتفعيل الرقابة الاستباقية ومنع تكرارها.

شاهد أيضاً

الأقلام المأجورة ووسائل التواصل الاجتماعي: تأثيرها على الصراعات السياسية في تيط مليل.

بقلم زكرياء أهروش تُعتبر الصراعات السياسية في تيط مليل قضية معقدة، خاصة مع انتشار وسائل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *