كم كان مؤلما أن نرى في هذا الزمان وفاة أستاذة على إثر تعرضها لطعنة غادرة من طرف تلميذ ! و كم كان مؤلما أن يتجاهل أهل الحل والعقد، بدءا من وزير التعليم إلى مدير الأكاديمية إلى مجلس النواب إلى أعضاء الحكومة إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين ، هذا الحدث المؤسف والمؤلم و كأن شيئا لم يكن.
إن تجاهل هذه المؤسسات لهذه الجريمة الشنعاء يعني المساهمة فيها و التشجيع عليها ، بل وخلق مناخ مدرسي لمثلها و لأخطر منها، مما يجعلنا نتساءل عن مصير المدرسة الوطنية ، هل تحولت أقلامها و ريشاتها إلى سكاكين وسيوف مهندة و سَواطيرُ؟ هل تحول فضائها التربوي إلى ساحة العنف والاقتتال ؟
إذ في كل مرة يتعرض أستاذ أو أستاذة إلى العنف من طرف تلميذ أو تلميذة أو من طرف أم أو أب تلميذ او تلميذة . و ربما لو قامت الوزارة بإحصاء لهذه الاعتداءات على رجال و نساء التعليم منذ عقدين من الزمان تقريبا لوجدت نفسها أمام معضلة خطيرة و أمام مسؤولية جسيمة .
لكن السياسة التعليمية في البلاد لا تهتم بذلك ،بل ما تقوم به الدولة هو تكريس عامل التخلف التربوي و البيداغوجي و نهج سياسة تكريس مناخ تعليمي يطبعه العنف منذ الإضراب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في أبريل سنة 1979، حيث تم التنكيل برجال التعليم و تحريض الأباء ضدهم .
لقد كانت بداية مدرسة يطبعها العنف و الفراغ الفكري وانعدام مبدأ تخليق الحياة التربوية التي من شأنها ترسيخ قيم الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص والإخلاص في العمل والديمقراطية واحترام حقوق المتعلم( ة) والأستاذ ( ة) و خلق المناخ التربوي الملائم و المندمج .
إن تجريد المدرسة العمومية من مرتكزاتها الفكرية و التربوية و الإنسانية و تحويلها إلى فضاء مظلم ينتج العنف و التطرف و الاستلاب الأعمى و العلاقات العدوانية بين الأطراف الرئيسية في العملية التعليمية /التعلمية، أي الأستاذ (ة) والتلميذ(ة) و الأسرة ليس بالصدفة بل هو تخطيط ممنهج لضرب المدرسة العمومية في عمقها الوطني و العلمي و الأدبي و دورها في التربية على المواطنة الحقة و على القيم الإنسانية و تخليق الحياة العامة و التضامن و الإبداع الفكري والأدبي والتراكم المعرفي و ذلك حتى تساهم في صناعة جيل يساهم في توفير شروط التنمية البشرية و الاندماج الاجتماعي .
إن الدولة تجد ضالتها في خلق شروط الفوضى “الناعمة” من خلال مدرسة تزرع الجهل و الأمية و الغش و ركوب مخاطر التخدير للعقل لتكون النتيجة هي ما أصبح يطبع المجتمع المغربي حاليا من مظاهر الفساد الأخلاقي و من عنف ضد رجال التعليم و رجال السلطة و رجال الدرك و الأمن ، إنها مظاهر أصلها المدرسة العمومية التي كانت ضحية قرارات سياسية قاتلة، حيث تم اغتيالها في قيمها الإنسانية و في مبادئها التربوية و في قدسية منهجها الإنساني و الأخلاقي .
إن كل مظاهر العنف و الغش و التزوير و التطرف و الجريمة المنظمة والتخلف الفكري و استهلاك كل انواع المخدرات حتى القاتلة منها و الترويج لها، كلها نتيجة الإفلاس المشهود وطنيا و دوليا لقطاع التربية و التكوين ،حيث كل المؤشرات تؤكد ذلك .
فهل الدولة المغربية واعية كل الوعي بما يتربص بالبلاد من فوضى عارمة داخلية مدمرة من خلال تحويل قطاع التعليم من قطاع يكون رافعة اجتماعية واقتصادية إلى قطاع ريعي و غير منتج لاي جيل يكون واعيا و واعدا وقادرا على التحديات المستقبلية و التحولات السريعة و المتلاحقة التي يعرفها العالم؟
متابعة الصحافية المهنية بهيجة بوحافة جريدة الواجهة