أشرف مجدول
أثبتت المديرية العامة للأمن الوطني قدرتها على التفاعل السريع مع كل الجرائم التي كانت منصات التواصل الاجتماعي مصدرا أو حاضنا لها، مستخدمة في ذلك كل الأساليب الجديدة المتطورة بتطور أشكال هذه الجرائم، مع التحلي بالذكاء وسرعة الحسم، مما أكسبها تقديرا على المستويين الوطني والدولي.
لقد بات مألوفا أن يعقب انتشار أي مقطع فيديو يوثق سلوكًا إجراميًا، أو مشهدًا عدائيا في أحد المناطق… بلاغًا رسميًا من المديرية تخبر فيه الرأي العام بفتح تحقيق ثم بتوقيف الجناة، أو يكون توضيحًا لخلفيات الواقعة منعا لتناسل الشائعات وتطمينا للمواطنين. هذا التفاعل السريع والمباشر هو نتيجة لاستراتيجية أمنية جديدة تقوم على الاستباق، التواصل، والرقابة المستمرة للمجال الرقمي.
ولعل آخر مثال يبرز التفاعل السريع والدقيق والفعّال الذي يعكس يقظة المؤسسة ومتابعتها الحثيثة لكل ما يُتداول، هو موضوع الفيديو الذي تم تداوله مؤخرًا من مدينة تامسنا، حيث ظهر شخص ارتكب جريمة وصور نفسه متفاخرا بما اقترفه في استفزاز صريح لمشاعر المغاربة. فلم تمضِ إلا ساعات قليلة حتى أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني عن توقيف المعني بالأمر، وفتح تحقيق تحت إشراف النيابة العامة المختصة.
لقد بات بديهيا لدى المغاربة أن تتفاعل المديرية تفاعلا آنيا سريعا مع أي فيديو يوثق لجرائم أو اعتداءات أو مخالفات خطيرة. وهذا ما يمكن ان نفسره بعنصر الثقة الذي بات يحكم علاقة المواطنين بالأمن الوطني، حيث باتوا يدركون ان اي محتوى رقمي يتضمن مخالفة تهدد الشعور بالأمان لن يمر مرور الكرام، فهناك مؤسسة أمنية تراقب، وتحلل، وتتحرك دون تأخير.
معطى آخر إيجابي يحسب للمديرية العامة للأمن الوطني يتعلق بالعنصر البشري في مراكز المسؤولية و يتضح هذا من خلال التعيينات في مراكز المسؤولية انطلاقا من الكفاءة بعيدا عن المحسوبية و إسناد التدبير العملياتي لمرافق الشرطة لكفاءات أمنية عالية التكوين والتأهيل، وقادرة على تنزيل مخططات العمل الرامية لتعزيز أمن المواطن وضمان سلامة ممتلكاته
هذه التعيينات أعادت رسم ملامح رجل الأمن المغربي في أذهان الناس، ليس فقط بمظهرهم المتحضر، ولكن بأسلوبهم المهني في المعاملة. من بين هؤلاء، السيد رئيس الشرطة القضائية بمنطقة أنفا والسيد رئيس الشرطة القضائية بمنطقة عين السبع الحي المحمدي، واللذان يمثلان نموذجًا لرجل أمن متوازن، فخلال فيديوهات تصريحاتهم للصحفيين نرى من خلالهما الصرامة واللباقة، و الثقافة، في بعض الأحيان, تصريحات بالفرنسية تتفوق على فرنسيي مارسيليا و الجنوب الفرنسي و يمزجون وبين الجدية والانفتاح. هذه الأسماء، وغيرها كثير، تشكل النواة الصلبة لجهاز يتغيّر من الداخل، ويطمح لصورة عصرية تليق بتطلعات المجتمع المغربي.
لقد قطع هذا الجيل مع الصورة الكلاسيكية لرجل الأمن المتسلّط، وبات يُجسّد مفهوم “الأمن القريب من المواطن”، رجل يتواصل لا يهدد، يُقنع لا يصرخ، يُطبق القانون لا يُوظّفه ضد الضعفاء. غير أن كل هذه التحولات، تبقى ناقصة ما لم تُواكب بدعم ملموس في الإمكانيات، من أجل الارتقاء بالعمل الأمني إلى مستوى التحديات الواقعية
فغياب الإمكانيات وثقته بعض الفيديوهات المنتشرة هذه الأيام لجانحين يهددون سلامة الناس بالأسلحة البيضاء، ويتحدون بها رجال الأمن، يمكننا ان نلمس الشجاعة التي تواجه بها العناصر الأمنية مواقف الخطر التي تجد نفسها فيها. ويعتمد فيها رجال الأمن على تجاربهم وكفاءتهم المهنية مع نقص حاد في المعدات، حرصا على سلامة الناس وإنفاذ القانون. وهذا النقص في التجهيز لا يُقوّض فقط نجاعة التدخل، بل يُعرّض حياة رجال الأمن أنفسهم للخطر.
صحيح أن كل المواقف تنتهي بإيقاف المعتدين، لكن كم من حالة تدخل انتهت بإصابة شرطي بجروح بليغة, فنحن نلاحظ عدم توفر رجل الأمن المتدخل على درع واقٍ، أو إلى أدوات لشلّ الحركة دون إصابات
أفلا تستحق هذه العناصر دعمًا أكبر من التجهيز لحمايتها عند التدخل حتى لا تضطر إلى إطلاق الرصاص لإيقاف الخطر؟
أسأل وأنا أتذكر أننا رأينا خلال الأيام المفتوحة للمديرية العامة للأمن الوطني، استعراضًا لبعض المعدات الحديثة التي تُستعمل في المهام الأمنية. فلماذا لم نراها معممة ومتوفرة بشكل كافٍ في الميدان؟ خاصة و أن المديرية العامة أعلنت عن خطوات نوعية خلال عام 2024 لتعزيز الأمن العام والارتقاء بخدماتها، تضمنت تعميم استخدام أسلحة ومعدات حديثة بعشرات وحدات من السلاح البديل “BOLAWRAP”. كما بدأت بتوزيع 560 مسدسًا كهربائيًا من طراز “TASER و تستهدف هذه المعدات شل حركة الأشخاص
ليبقى السؤال مطروحا
إلى متى سنعتمد فقط على العنصر البشري في الحسم، دون مواكبته بوسائل تقنية ولوجستيكية حديثة؟
. إن المديرية العامة للأمن الوطني، بما راكمته من تجارب وخبرات، تستحق كل التقدير، ولكنها تستحق أيضًا أن نُطالب لها، لا منها، بمزيد من الوسائل، لأن الأمن في النهاية ليس مسؤولية جهاز واحد، بل منظومة وطنية متكاملة تتقاطع فيها السياسات، والإرادات
فكما نطالب رجال الأمن باليقظة والحزم والجاهزية، فنحن نطالب الدولة أيضا بتوفير كل ما يحميهم، ويجعل أداءهم أكثر أمنًا وكفاءة