بقلم: امين الحميدي
يُعد الحوار الاجتماعي أحد الأسس المركزية التي يقوم عليها التوازن داخل المؤسسات العمومية، حيث يُشكل آلية ديمقراطية لتصريف التوثراات الاجتماعية، وتحقيق التوافقات الضرورية بين الإدارة والممثلين الشرعيين للأجراء. غير أن الواقع الذي تعيشه الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة يُبرز، في الآونة الأخيرة، تعثراً مقلقاً في هذا المسار، نتيجة غياب إرادة حقيقية في الانفتاح على مطالب النقابة الأكثر تمثيلية ODT، وتجاهل لمقتضيات القانون ذات الصلة بمأسسة الحوار و آلياته.
فقد سبق لممثل العاملين بالمجلس الإداري، وهو إطار نقابي منضوٍ تحت لواء المنظمة الديمقراطية للشغل وعضو في مكتبها الوطني، أن تقدم بطلب رسمي لتفعيل الحوار الاجتماعي، وهي مبادرة وجدت صداها خلال اجتماع للمجلس الإداري، حيث تم تسجيل موافقة مبدئية على مناقشة الملف المطلبي، وفي مقدمته الإفراج عن الزيادات المرتبطة باتفاقات الحوار الاجتماعي. ومع ذلك، لم يتم اتخاذ أي إجراء عملي يعكس الالتزام المعلن، مما يُؤشر على أزمة ثقة بنيوية بين الطرفين.
وما يُعمّق هذا الوضع هو اعتماد الإدارة على لقاءات جزئية وغير رسمية مع مسؤولين إداريين، لايتوفرون على صلاحية قانونية للتفاوض أو اتخاذ القرار، وهو ما يُفرغ مفهوم الحوار من محتواه الحقيقي، ويُحوّله إلى عملية شكلية تُستعمل لتدبير الزمن، لا لحل الإشكالات. وفي هذا السياق، تؤكد النقابة الأكثر تمثيلية رفضها المطلق لأي حوار لاينتهي بمحضر موقع من طرف مفوض ذي سلطة قانونية، يُجسد تعاقداً صريحاً وقابلاً للتنفيذ.
علاوة على ذلك، فإن توزيع بعض المعطيات المرتبطة بالملف المطلبي على تنسيقيات لاتحظى بشرعية التمثيلية، يُعد انحرافاً عن مقتضيات القانون التنظيمي للنقابات المهنية، ويطرح سؤالًا عميقًا حول مدى احترام الإدارة لمبدأ المساواة بين الفاعلين النقابيين، ولمفهوم التعددية الذي ينبغي أن يُبنى على المشروعية الانتخابية، لاعلى معايير ظرفية.
إن هذا التعثر لا ينبغي أن يُقرأ فقط من زاوية المواقف النقابية، بل أيضاً من منطلق وظيفي يُحيل إلى ضرورة تأهيل الحكامة داخل المؤسسة، وضمان شروط الشفافية وتكافؤ الفرص في التدبير، بما يُحقق الاستقرار المهني والاجتماعي للعاملين، و يحفظ هيبة المرفق العمومي.
إن غياب الحوار ليس مجرد مشكل مرحلي، بل مؤشر على أزمة بنيوية في العلاقة بين الإدارة والتمثيليات النقابية، وهو ما يستدعي تدخلاً مسؤولاً من الوزارة الوصية، لتصحيح المسار، و ضمان احترام القانون، وتحصين حقوق الشغيلة من كل أشكال التمييز و الإقصاء.