الأستاذ ياسين الصبار محام بهيئة مراكش و باحث في العلوم القانونية يتناول ملف الدركي والممرض وإليكم ما جاء بقلمه عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك:
“في الأيام القليلة الماضية، شهد أحد مستشفيات القرب بمدينة قلعة السراغنة حادثة اعتداء متبادل بين ممرض ودركي، أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والاجتماعية. انتشرت في البداية صور للممرض وهو مستلقٍ على سرير طبي، تبدو عليه آثار إصابات جسدية واضحة، مما دفع العديد من الجهات إلى إعلان تضامنها معه، معتبرةً أنه ضحية اعتداء عنيف.
على إثر ذلك، تدخلت السلطات الأمنية تحت إشراف النيابة العامة، حيث تم توقيف الدركي ووضعه رهن الحراسة النظرية، في إطار التحقيقات الأولية. وبعد تقديم الممرض لشهادة طبية تشير إلى 60 يومًا من العجز، وتشخيص حالته بأنه يعاني من كسر مزدوج في القدم وكسر ثلاثي في الوجه، تم اتخاذ قرار باعتقال الدركي ومتابعته بتهم الضرب والجرح وإهانة موظف أثناء مزاولة عمله، ليتم إيداعه السجن المحلي بقلعة السراغنة في انتظار محاكمته.
لكن مع مرور الأيام، ظهرت تطورات جديدة غيرت مجرى القضية، حيث تم تسريب مقطع فيديو من كاميرات المراقبة بالمستشفى، يوثق تفاصيل العراك. المفاجأة التي حملها الفيديو أظهرت أن الممرض هو من بادر بالاعتداء على الدركي، رغم أن هذا الأخير كان متواجدا بالمستشفى بصفته مواطنًا عادياً، دون أن يكون مرتديًا زيه الرسمي أو حاملًا لشارة مهنية. كما كشف الفيديو أن الممرض، الذي زُعم أنه مصاب بكسور خطيرة، كان يتحرك بشكل طبيعي بعد المشاجرة، مما أثار تساؤلات حول صحة الشهادة الطبية المقدمة.
علاوة على ذلك، كانت قد نُشرت صور تظهر زجاجًا مكسّرًا ومكتبًا مخربًا، ونُسبت تلك الأضرار إلى الدركي، في حين أن الفيديو لم يوثق أي خسائر مادية خلال العراك، مما يضع علامات استفهام حول حقيقة تلك الادعاءات.
تحليل قانوني واجتماعي للقضية:
1. مسؤولية الطرفين: من حيث المبدأ، فإن المستشفى ليس ساحة للعراك، وكان يتوجب على كلا الطرفين ضبط النفس، خاصة أن لكل من الممرض والدركي صفة رسمية تفرض عليهما احترام النظام العام.
2. عدم التوازن في تطبيق القانون: رغم أن الواقعة تشير إلى عنف متبادل، إلا أن الإجراءات القانونية اتخذت في البداية ضد الدركي فقط، دون اعتقال الممرض، مما يطرح تساؤلات حول مدى استناد تلك القرارات إلى المعطيات الموضوعية وليس فقط إلى الشهادات الطبية الأولية.
3. دور الأدلة التقنية: أظهر الفيديو معطيات جديدة قلبت وجهة النظر الأولية حول القضية، مما يبرز أهمية اللجوء إلى الأدلة الرقمية والتسجيلات المرئية قبل اتخاذ قرارات قانونية قد تؤثر على سير العدالة.
4. التأثير الاجتماعي والإعلامي: التسرع في التعاطف مع أحد الأطراف دون التأكد من جميع الحقائق قد يؤدي إلى ظلم الطرف الآخر، مما يستوجب التريث في إصدار الأحكام والتأكد من صحة المعلومات قبل التضامن مع أي طرف.
القضية تعكس الحاجة إلى تحقيقات دقيقة ومستقلة قبل اتخاذ قرارات قانونية، لضمان عدم تأثر العدالة بالضغوط الاجتماعية أو الإعلامية. كما أنها تسلط الضوء على ضرورة تعزيز ثقافة حل النزاعات بطرق قانونية ومؤسساتية، بدل اللجوء إلى العنف، خصوصًا في المرافق العامة التي يجب أن تبقى محصنة من مثل هذه السلوكيات.
بقلم ذ. ياسين الصبار
محام بهيئة مراكش و باحث في العلوم القانونية
متابعة الصحافية المهنية بهيجة بوحافة جريدة الواجهة