أشرف مجدول
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي يومه السبت 19 اكتوبر 2024 بخبر “قرار القناة الثانية بتوقيف الصحافي وديع دادا عن تقديم نشرات الأخبار، وإعفائه من مهامه كرئيس للتحرير، اعتباراً من 21 أكتوبر الجاري مع إحالته على المجلس التأديبي”.
انتهى الخبر دون إبداء الأسباب الداعية إلى قرار التوقيف، وبما أن القرار قرار داخلي للقناة الثانية، فإن الأسباب المعللة له، ستُعرف بالتأكيد خلال انعقاد المجلس التأديبي، إلا أن أخبارا منقولة عن مصادر مختلفة كشفت عن الأسباب المحتملة.
فحسب مصادر جيدة الاطلاع من داخل القناة الثانية، فإن الإدارة اعتبرت مشاركة وديع دادا في العديد من الأنشطة المؤدى عنها خارج “دوزيم”، سواء كمقدم سهرات وتظاهرات أو كمنسق ندوات ومؤتمرات… هو نوع من تعارض المصالح، خاصة أن بعض الشخصيات التي لها علاقة بتلك الأنشطة، سواء بصفتهم منظمين أو مشاركين أو محتضنين… حلّوا ويحلّون ضيوفا على نشرات الأخبار بالقناة.
وفي المقابل، طلعت قصاصات أخرى بتعليل مصدره صفحة فايسبوكية لسيدة عضو في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أكدت فيه أن القرار هو انتقام من وديع دادا بعد انخراطه في ذات النقابة، وإنشاء تنسيقية تابعة لها، رغم أن الخبر الذي تم تعميمه بعد إنشاء تنسيقية القناة الثانية كان تحت عنوان “تجديد تنسيقية”، وليس “إنشاء تنسيقية”. والفرق بين التجديد والإنشاء كبير، كبير جدا.
وما بين الروايتين المختلفتين تماما، ظلت أسباب القرار غير معروفة، مادام أن مصدرها أسماء مجهولة وصفحة فيسبوكية، ولابد من انتظار بعض الوقت لاستجلاء الحقيقة، ولكن النقابة الوطنية للصحافة المغربية لم تنتظر، ولم تعط لنفسها الفرصة للاطلاع على حيثيات القرار، والاستماع لوجهات النظر المختلفة، حتى انتفضت ببلاغ تضامني مع وديع دادا، وهو تضامن في كل الأحوال مبدئي ومشروع، إلا أن هذا التضامن تأسس على هجوم شرس ومثير للاستغراب على مدير مديرية الأخبار بالقناة الثانية ذاكرة إياه بالاسم.
لقد ضج بلاغ النقابة النقابة الوطنية للصحافة باتهامات ثقيلة بدون أدلة للصحفي حميد ساعدني أحد مؤسسي النقابة، وواحد من المنتمين إلى الجسم الإعلامي، باعتباره الموقّع على قرار التوقيف.
لم أصدق عينيّ وأنا أقرأ هذا البلاغ، ولم أصدق أن يكون صادرا عن نقابة الصحافيين المغاربة لما فيه من اتهامات وقدح و تشهير، وهذا ما يجعل القارئ يتأكد من أن البلاغ هو عبارة عن تصفية حسابات ضيقة بين أشخاص يشتغلون في الظل، وبين مدير مديرية الاخبار. وتساءلت: أي انحدار وصل إليه الجسم الإعلامي بالبلاد؟
لست هنا للدفاع عن حميد ساعدني مدير مديرية الاخبار بالقناة الثانية، فكما قلت سابقا، هناك روايتان مختلفتان. ومصدر الروايتين قصاصات غير رسمية، ولكن يحز في النفس أن نرى نقابة تضرب بنفسها المثل لمنتسبيها في بنشر اتهامات باطلة دون أدنى دليل، وتعطي الإذن بطريقة غير مباشرة لصحافة التشهير والسب بمواصلة ممارسة هذا “الحق” دون مساءلة أو حتى عتاب.
أكدتم يا كتّاب البلاغ على أن توقيف وديع دادا فيه استغلال المدير لمنصبه، وشطط في استعمال السلطة، ووصفتم القرار بالتعسفي والأرعن وبأنه شكل من أشكال البلطجة الإدارية، وأكدتم على أنه إجراء انتقامي. طيب، كيف أدركتم بهذه السرعة أن هذا الإجراء انتقامي وأنتم لم تستبينوا الحقيقة، ولم تستمعوا إلى كل الطرفين؟
ألم يكن ممكنا أن تبادروا إلى التواصل مع مختلف الأطراف بعد صدور القرار، ومحاولة استيضاح الأمور، حتى لا تنحاز النقابة إلى زميل ضد زميل آخر؟ أليست النقابة حاضنة لكل الزملاء؟
وكيف تصفون حميد ساعدني ب”المدير المتقاعد” وقد تم التمديد له لسنتين إضافيتين؟ هل انزعاجكم من قرار التمديد له يلغي القرار؟ أم إنكم لا تعلمون إن كان هناك أصلا أي تمديد؟
ألم نتعلم نحن معشر الصحفيين المهنيين أن نتريث قبل النشر إلى حين الحصول على المعلومة الصحيحة كما تفرضه أخلاقيات المهنة؟
ثم، ألم تخرق النقابة في بلاغها كل المواثيق المهنية والأخلاقية وهي تشهّر باسم صحفي مهني، وتصفي حسابها معه على “ظهر” صحفي ارتكب ما تراه إدارتها انحرافا يستوجب إحالته على المجلس التأديبي؟
وإذا كانت النقابة الوطنية للصحافة تتوفر على كل الأدلة والوثائق التي تدين مدير مديرية الأخبار، وبموجبها كالت له السب والتشهير، فهي مطالبة بتقديم شكاية مستعجلة إلى رئاسة النيابة العامة وفتح تحقيق. هذا مع التأكيد على أن توفر هذه الأدلة لا يعطي لأية جهة الحق في الطعن في نزاهة الرجل ووضعه الاعتباري علنا في بلاغ.
إن التضامن مع زميل صحفي تعرض إلى التوقيف موقف مبدئي، لكن التشهير بزميل صحفي في بلاغ دون أي دليل فهو سقطة أخلاقية، وإذا لم تتم مساءلة المسؤولين عنها، فلننتظر مزيدا من السقوط.