fbpx
الرئيسية » آراء » جيل مغربي صاعد يختار سردية الكتاب الورقي كفعل ثقافي

جيل مغربي صاعد يختار سردية الكتاب الورقي كفعل ثقافي

بقلم: سمير السباعي

تعتبر الكتابة مدخلا ثقافيا لتعبير الذات الإنسانية عن تفاعلها مع قضايا الوجود والحياة والموت والمعرفة، ولبحث هذا الكاتب أو ذاك عن مساحات من التعبير بمختلف الأجناس السردية الممكنة، خاصة إذا تعلق الأمر بفآت من الأطفال والشباب المغربي اليوم التي اختارت معانقة القلم والكتاب الورقي كأنفاس أصيلة طالما كان لها حضورها التاريخي في صناعة الممارسة الثقافية ببلادنا لعقود طويلة من الزمن. ضمن هذا السياق وفي إطار فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب الدورة 29 المنظم في الرباط من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل بشراكة مع عدد من الشركاء العموميين والإعلاميين و الثقافيين تم يومه السبت 18 ماي 2024 على الساعة الخامسة زوالا بفضاء النقابة الوطنية للصحافة المغربية داخل نفس المعرض تنظيم حفل توقيع وتقديم الترجمة الإنجليزية لرواية “شمس بحجم الكف” لصاحبتها عبير عزيم من طرف الكاتب الشاب صغير السن علاء عسلي تحت عنوان A Sun the Size of a Fist .

والملاحظ أن هذا النشاط الثقافي بدلالاته التربوية العميقة والقوية قد شكل مساحة نوعية داخل مجموع الفقرات التي شهده هذا الاحتفاء الدولي بالكتاب بالعاصمة الرباط، على اعتبار أن عددا من جمهور المعرض من فاعلين ثقافيين ومهتمين وباقي عموم الزوار قد وجد نفسه على موعد مع لحظة ثقافية خاصة ليس فقط لحداثة سن الكاتبين المذكورين وإنما أيضا لقيمة المنجز الأدبي الذي اضطلع عسلي بترجمة متنه إلى لغة شكسبير ونعني هنا رواية “شمس يحجم الكف” التي تم إصدارها السنة الماضية من طرف منشورات النورس التي يديرها الإعلامي عبد العزيز كوكاس لعبير عزيم، التي اعتبرت أصغر كاتبة عربية حينها، رواية اختارت من خلالها عبير دخول تجربة الكتابة السردية لتعبر عن أنفاس من الوجود الإنساني التي يعيش في ظلها الشخص ذوي الاحتياجات الخاصة ببلادنا بنفس أدبي حكائي جعل الكاتبة الطفلة تؤكد أن جيل الألفية الحالية قادر على التناغم مع أصالة فعلي الكتابة والقراءة عبر وسيط قديم جديد وهو الكتاب الورقي. الأمر الذي أكده علاء عسلي حينما اختار هو الآخر رغم حداثة سنه أن يناقش السردية التي جاءت في كتاب عزيم من خلال الحرص على ترجمة صوته الأدبي ومتنه الحكائي إلى اللغة الإنجليزية عبر ممارسة شكلت نقلة نوعية في ممارسة الكتابة لدى فئة فضلت الانتصار لفعل ثقافي هادئ بعيد عن نمط التدوينات الفورية ولغاتها الجديدة وما يرافقها في كثير من الأحيان من فوضى رقمية تحاول أن تفرض على أجيال اليوم استهلاكا معينا للصورة الثابتة أو المتحركة دون أفق جمالي أو تربوي واضح في الغالب. وهي أشكال جديدة من التعبير الرقمي أصبحت تحرك ممارسات الاتصال والتواصل في بلادنا وباقي العالم بين صفوف أغلب الشرائح العمرية و الاجتماعية. وهو الطرح الذي يلتقي كثيرا مع أنفاس القول التي جاءت في تصريح لعبد العزيز كوكاس بالمناسبة ثمن من خلالها هذا الأخير تجربة الكتابة التي اضطلع بها هذين الاسمين الشابين عبر طاقة من الكتابة قادمة من هوامش المغرب العميق ولتشكل استثناء في الزمن الافتراضي الذي انغمس فيه جل أطفال المغرب اليوم حسب ما نطق حديث كوكاس، قبل أن يتجه نفس المتدخل للتعريف بحجم المجهود الذي بذله عسلي أثناء ترجمته لرواية عزيم بعد أن بحث من خلال الترجمة المنجزة عن التناغم الفكري والالتقاء الروحي مع السردية الروائية التي نطقت بها النسخة العربية للرواية الأصل. وهو ما ذهب في اتجاهه تصريح عزالدين خلوفي أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة المولى إسماعيل على لسان كوكاس حينما أشار في كلمة سابقة له، أن الكاتب الشاب عسلي استطاع أن ينجح عبر ترجمته لرواية عبير عزيم في نقل روح نص هذه الأخيرة.

وحقيقة لا يمكن لأي فاعل ثقافي أو إعلامي إلا أن يشيد بهكذا مبادرات، الهادفة إلى تحقيق تصالح بين الجيل الحالي من الشباب والأطفال المغاربة و بين فعل القراءة والكتابة بشروطها الأصيلة المتعارف عليها بحثا عن نشر قيم الإبداع والمبادرة والفعل الثقافي بنفس تربوي قيمي دون تجاوز طبعا سلطة الرقميات الجديدة التي أصبحت واقعا تاريخيا لا محيد عن التفاعل معه من داخل منطقها الخوارزمي مع الحفاظ ما أمكن عبرها على الرسائل التربوية و الثقافية الكفيلة بتوجيه أجيال اليوم إلى ما يعزز قيم المواطنة الحقة والكونية المنشودة المنطلقة من تثمين الخصوصيات الثقافية المحلية كشرط وجودي، خصوصا إذا تم دعم مبادرات عدد من الأطفال والشباب وتجاربهم القرائية وممارساتهم الكتابية في ربوع وطننا المغرب لنجد يوما ما طوابير مغربية شابة تقف متعطشة لاستهلاك منجزات فكرية ترتقي بالذوق الإبداعي العام بين صفوف الناشئة وتؤصل لعودة ممارسة ثقافية جماهيرية حقيقية في بلادنا.

شاهد أيضاً

الريع السياسي بقلم صافي الدين البدالي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام مراكش الجنوب

مقال بعنوان الريع السياسي بقلم صافي الدين البدالي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام واليكم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: