fbpx
الرئيسية » آراء » قراءة أولية في حييثيات الرد الإيراني.

قراءة أولية في حييثيات الرد الإيراني.

بقلم: يونس التايب 

في انتظار أن تكتمل تفاصيل صورة ما حدث، هذه الليلة، في سماء الشرق الأوسط، هنالك أسئلة أولية كثيرة تفرض نفسها مما نتابعه على شاشات التلفزيون تحت مسمى “الرد الإيراني” 

أولا، على المستوى العسكري :

– إيران تعلم جيدا قدرة إسرائيل على الرد العسكري، خاصة من خلال سلاح الجو، وكذا من خلال تعبئة قوات حلفائها (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا…!!) … لذلك، هي لا تريد إشعال حرب واسعة، على الأقل في هذه المرحلة، لأن ذلك يعني تدميرا كبيرا لمقومات القوة والحياة في إيران، قد يصل إلى استعمال أسلحة نووية، رغم إدراك كل الفاعلين أن لإيران القدرة على تحقيق ضربات عسكرية موجعة لخصومها …

– طبيعة الأسلحة المستعملة تطرح أكثر من علامة استفهام … بالنظر إلى البعد الجغرافي بين إيران وإسرائيل، صحيح أن الحل هو استعمال “طائرات مسيرات” وصواريخ، لكن تلك الأسلحة لا يمكن أن تحقق انتصارا عسكريا حاسما …من جهة، “المسيرات” تحتاج إلى 8 ساعات لتصل إلى هدفها، وهي مدة كافية لرصد مسارها وإسقاطها في الطريق… وقد تم ذلك بعد تدخل طائرات حربية أمريكية وبريطانية، بحسب ما نشرته القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية …

– صيغة الإخبار القبلي “ها أنا سأضربكم …!!”، أو لنقل عدم قدرة إيران على إخفاء العملية، يلغي أي احتمال للمباغثة والمفاجئة، حتى مع استعمال صواريخ باليستية سريعة الوصول للهدف، ولو لم يتضح نوع الصواريخ وحمولتها …!بالتالي، لا يمكن لإيران تحقيق هدف عسكري كبير، وهو ما يبقي القدرة على ضبط الأمور ومنع الحرب من الاتساع …

ثانيا، على المستوى السياسي :

– ما يحتاجه النظام الإيراني هو، أولا، كسب الرأي العام الداخلي من خلال تنظيم عملية عسكرية مضبوطة العواقب، تمنح الإيرانيين شعورا بأن بلادهم قوية وقادرة على الدفاع عن “الأمن القومي”، دون أن يخلخل ذلك توازنات جيوستراتيجية ملائمة في المنطقة، لازالت لها الأولوية في المنظور الإيراني … وهو ما يفرض معادلات توازن الردع بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة ثانية.

– إذا تمكنت حكومة إسرائيل من تخفيف الخسائر، ونجحت في منع المسيرات والصواريخ الإيرانية من إحداث أضرار، ربما تقوم إسرائيل برد محدود على الرد الإيراني، أو تقايض ذلك بقبول وصايا ب “ضبط النفس”، استجابة لرغبة الولايات المتحدة في أن لا تتسع الحرب. وبذلك، تكون إسرائيل هي المستفيد الأكبر … لأن هذا السيناريو يحقق لها هدف تحصيل متنفس يخفف الضغط الدولي والانتقادات بسبب حرب الإبادة في غزة… ويعيد التفاف حكومات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا حول استراتيجية حكومة إسرائيل، وحول “حقها في الدفاع عن نفسها” ضد الخطر القادم من إيران، خاصة أنه لا أحد يربط بين “الرد الإيراني” وتدمير قنصلية إيران في دمشق من طرف إسرائيل، وحقها في تتميم عملياتها في غزة، وربما السماح بعملية “اقتحام رفح” التي كانت مرفوضة أمريكيا …

في اعتقادي، “الرد الإيراني” لهذه الليلة، أريد له أن يكون مضبوطا ومتحكما في نتائجه، لتحقيق هدف “حفظ ماء الوجه”، وتثبيت توازن ردع جديد مع إسرائيل، بضمانة أمريكية في سياق اتفاقات تضمن لإيران و إسرائيل، ومن جهة ثالثة تركيا، أن تتفاعل في مناطق نفوذ خاصة بكل منهما، في غياب أي حضور عربي فاعل ومؤثر يفرض أجندة محورها قضية فلسطين …

ما من شك أن إيران تعتمد سياسة براجماتية قومية تدافع عن مشروعها الوطني، أولا وقبل كل شيء … ولها في ذلك حمولة مذهبية معلنة، ليست قضية فلسطين سوى جزء محفز تكتمل به الصورة …

للأسف، الباقي تفاصيل تتجاوز قدرة (أو إرادة!) العقل السياسي العربي على فهمها أو الاستفادة منها جيوستراتيجيا، لبناء مشاريع وطنية قوية، أو لتحقيق مشروع قومي يحقق مكتسبات تنموية للشعوب العربية ويجلب السلام لفلسطين والفلسطينيين ولشعوب منطقة الشرق الأوسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.