الرئيسية»آراء»البرلماني العياشي الفرفار: طفولتي كنت اسرح خمس بقرات وعجل صغير
البرلماني العياشي الفرفار: طفولتي كنت اسرح خمس بقرات وعجل صغير
حكاياتنا بالعالم القروي حكايات غير ملونة، لكنها حكايات صادقة وحقيقية وهنا تكمن قيمتها.
العالم القروي ليس مجرد دوار ومسجد وعشرات المنازل الموزعة حسب المخدات، إنما هو مجموعة قيم ونظام أخلاقي واجتماعي ينظم الحياة بكاملها من النشاط الفلاحي واللباس والعادات والأفراح والتدين وطقوس الحزن ومراسيم العزاء وانظمة تدبير الخلافات وغيرها. كل شيء خاضع لنظام القبيلة ولسلطة شيوخ واعيان الدوار.
اتذكر جزءا من طفولتي كنا لا نشبه أبناء المدينة، لم تكن لدينا عطلة وبرامج السفر إلى البحر أوالاصطياف.
العطلة عندنا لم تكن فترة راحة، وانما الانخراط في منظومة تقسيم العمل العائلي حيت لكل واحد وظيفية، وظيفتي بحكم أنني أصغر اخوتي كانت أقل المهام صعوبة ومشقة، كنت اسرح خمس بقرات وعجل صغير.
العابنا لم تكن تشبه لعب أبناء المدينة، و نحن نرعى كنا نجتمع ونلعب لعبة ” شارّة ” (هي لعبة شبيهة بلعبة الغولف على مستوى الكرة والحفرة، هي لعبة الرعاة) .
اللعبة تبدأ بحفر حفرة وبعدها إجراء القرعة من يلعب ضد المجموعة حيث يتم رمي الحجرة / الأم بعيدا عن الحفرة، الحجرة ينبغي أن تكون مستديرة ومن الحجم المتوسط، طريقة اللعبة تتحدد في ان المنافسين يجتهدون لإبعادها بينما اللاعب عليه إرجاع الحجرة إلى الحفرة / القبر. تشتد المنافسة وتتعالى الأصوات: اتْبعْ امك، اتْبعْ امك …
اسم الأم وحده كفيل برفع درجة التنافس، وبمنح طاقة كبيرة للدفاع عن امه، رغم اشتداد الحرارة وصعوبة المسالك قوة للمتنافسين وشراسة عصييهم، فان اللاعب المدافع عن امه لا يتوقف ولا يستسلم ويستمر في مواجهة الجميع الى حين استعادة امه.
الأم تعني القداسة وهو ما يفترض الشراسة من اجل استعادتها وارجاعها إلى الحفرة/ القبر.
دلالات اللعبة عميقة وقوية أنها تكشف حجم الارتباط بالأم حتى ولو كان الأمر لعبة.
ان الأم تجعل من اللعبة فعلا مقدسا، وان الابن مطالب بالدفاع عن امه وبقوة، ومحاربة الجميع و ان تحقيق الفوز مرتبط بأرباع الحجرة الى الحفرة، هنا تسمع عبارة: ادفن امك .
اللعبة بسيطة، لكنها عميقة الدلالات وكثيفة المعاني، انها لعبة تعلمنا كيف يكون حب الأم حتى أثناء اللعب.
بالدوار كانت العابنا بسيطة وقوية لكنها كانت تجعل من الأطفال رجالا .