fbpx
أخبار عاجلة
الرئيسية » أخبار وطنية » إعادة إعمار الحوز.

إعادة إعمار الحوز.

SAVE 20230927 235753

صبري يوسف: كاتب رأي وباحث في سوسيولوجيا التنمية.

بتنا اليوم بعيدين عن محنة الحوز ( الزلزال) بأكثر من أسبوعين كانت كافية أولا لفهم العناصر الآتية :

_1 وعي المغاربة بالاحداث من حولهم والقدرة على مواجهتها برد الفعل التلقائي والمباشر والراهن.

_2 جهود التخفيف عن المغاربة أينما كانوا وتحت أي ظرف راحوا ضحاياه ، أو لنقل “فعالية معايير السلوك” عند المغاربة التي صارت تظهر في الأزمات والافراح بشكل “دينامي” يعطي ” معنى “عن هذا المجتمع، الذي لا يدعي عادة (سلوكات ما ) بل يمارسها بشكل جيد واقعي ساعة الإمتحان.

_3 قدرة الدولة المغربية على مواجهة الأزمات التي يمكن اعتبار الزلازل والاعاصير امتحان وقدر ذو قيمة في مسار -الثقة-بين المواطن والدولة خصوصاً في بلدان جنوب المتوسط والقارة الإفريقية والعالم العربي، وفهم مدى تحقق الانتقالات نحو الديمقراطية في آونة “تدبير الأزمات “.

_4 بروز الأدوار الجديدة” للوسائط الالكترونية للتواصل” التي ساعدت في التعجيل ،تحريك، برمجة المجتمع من أجل التعاطي السريع والفوري مع وقائع ومعطيات الميدان الذي كان ينزف دما وجرحا وقرحا رهيبا.
باقي الدروس والعبر والعناصر يمكن مع الوقت اكتشاف مختلف ابعادها ،ومختلف نتائجها وتجلياتها، وتفسير جزء مهم من الممارسات التي سيكون من غير الممكن والمقبول الحكم عليها هنا والآن.

وعليه فإن إعادة الاعمار بالحوز هي جزء مهم من الحل ، من إعادة زرع الثقة بين فاعلين لا أكثر وهما : الدولة والمواطن . ترى كيف ذلك ؟

في المحصلة، أن الذي حدث هو زلزال لا يمكن تحديد ازمنته والتنبؤ بها، ولا توقعها، كما يفعل ذلك الهولندي الذي صار يدعي هذه الأيام …ولو كان ما يدعيه صحيحا لكان بالفعل الحوز وناسه قادرين على الافلات من نتائج تلك الليلة، بمعنى أن جل المراكز الجهوية والدولية لمراقبة الزلازل لا تزال تؤكد أن العلم لم يصل بعد بما تيسر من فهم متى تحدث هذه الظواهر …؟بمعنى أن الجهد لا يزال في أولى خطواته لفهم ما يتطلب …

قلت أن العلاقة اليوم بين “الدولة والمواطن” وحالة نتائج الزلزال، ومدى إعادة ربط الناس بالمجالات التي شيدت في قلوبهم محبتها وبقاءهم بها هو عزاءهم الأخير, فقد صارت الارياف مقابر قضى فيها بشر كثير ، لذلك يحتاج الرهان الى أن يكون الاعمار بالحوز “وجيها”, أي بجودة عالية (كأنها واحدة من نظريات التنمية في أول تنزيل لها) تعيد على الأقل للناس الثقة في كون ما فعلته ( الإرادة الشعبية ) pouvoir populaire ونعني : كل الجهود التي يمكن اعتبار عفويتها انطلقت من مواطن نصف كيس الطحين بمراكش عشية الزلزال وهو على متن دراجته من أجل غوث إخوانه …الى ما يزال يتلقاه الحوز منذ الثامن من شتنبر من مساعدات الناس والمجتمع المدني والقوات المسلحة ،وجهود أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والطبية ،وجهود الأفراد والفعاليات المدنية بكل المدن المغربية، التي حولت من قضية هذا الحوز إلى واجب وطني للتضامن والتازر والاخوة …يوازيه ما ينتظر من الدولة عبر مجموعة من المتدخلين (وزارات ومؤسسات رسمية وصناديق fonds) لإعادة الاعمار.

جرى بالعادة أننا سرعان ما ناخذ مسافة من كل ( الكلف ) coûts الأثمنة المادية والبشرية التي تطفو في اي مجتمع ،باعتبارها خسائر وبراهين على وقائع ما كان بالإمكان تحييدها مثالنا على ذلك: ( شغب. عنف. اعتداءات .اعتقالات تعسفية. تهجير قسري. مواجهات .ردات حقوقية. مطالب. انتهاكات جسيمة، كوارث واضرار بيئية وصحية واقتصادية وطبيعية)، وأنه كلما حاولت البلدان المصالحة ونسيان ما جرى باعتباره يقف عند الحاجة الملحة الى “الفعل “Action الذي يبدد المخاوف ويصلح الكرامة الإنسانية ،وانه كان دائما المسار الوحيد للبرهنة ونسيان ما جرى جماعيا ، وان العكس يعطي نتيجة غير مرجوة.

وإذا أخذنا مثال ذلك “مجال حقوق الإنسان”, فمثلا خاصية أو شرط “عدم تكرار ما جرى” في وقائع لها أثارها: المادية ،النفسية،التاريخية المدمرة …يبقى خلالها الخيط الرقيق الناظم هو مسألة” الضمانات” ،اقول” الضمانات” التي يأخذها طرف عن طرف، وجهة عن اخرى، ويحدث في كل الدنيا تلقي هذه الضمانات، والاعتراف بما جرى واقعا على مسرح الأفعال المنتجة للاثار ،ويبقى هناك من يراقب مدى تنفيذ الضمانات، وعدم العودة إلى تكرار ما جرى …حين جرى. فالذين يراقبون عادة هم المواطنون، هم الشرط الثاني من المؤسسات …شرط المواطن بكل فعاليته …( قوى حقوقية، جمعيات ،منتديات، منظمات، عرائض، منظمات دولية، مراصد…كتافة روحية).

فمعنى المثال الذي ضربته بالنسبة للمسألة الحقوقية يشبه في تجليه حالة الحوز بالنهاية ،وهو أن كل الذين زاروا الحوز وقدموا مساعداتهم وبكوا وكتبوا وصوروا ونشروا ..وانفقوا وسافروا وتعرضوا للضرب هناك أو الإهانة من أحد، أو أي فعل هناك بالحوز صغير أو كبير كان الغرض منه تجاوز محنة المت بمواطني تلك الجهة من مغرب واحد ( عار الاخ وارد على أخيه )…كل هؤلاء وغيرهم يصبحون الطرف الآخر لمراقبة الضمانات …ضمانات إعادة الاعمار التي هي الأخرى تحتاج الى تأكيد بعض الأشياء المهمة التالية..( إنها تصبح مجالا من مجالات حقوق الإنسان مهما كانت ناتجة عن كوارث طبيعية قاهرة, بحكم تداخل الظواهر مع الحق في نهاية المطاف) :

+ اعمار الحوز مع تبات البنيات (الثقافية والاجتماعية) على حالها … أي ،ان يشعر السكان أن كل تلك الوظائف التي كانت تؤديها الجماعة ( لف، عظم، فخدة، إغرم. كادير, الأسرة ، الفرقة، مجالات العيش والتفاعل milieu d’interaction ) ثابتة على حالها .

+ أن يبقى الموروث الثقافي هناك ( عادات ،تقاليد،افعال، ممارسات، تاويلات ، تفاعلات، رهانات) قائما لأنه من الهوية التي منحتنا الحوز الجميل منذ قرون .

+ أن تبقى (اجماعت ) ومختلف التنظيمات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والرعوية التي باتث مرتكزات للفعل socles d’action قائمة وسارية في “الرابط الاجتماعي” : التحكيم، الزواج، الختان، الفرح، السقي، الرعي، الإحتفالية ، أن تظل الهندسة المفاهيمية architecture concepteuel التي سطرتها الذاكرة الجماعية للحوز منذ اكثر من قرن على الأقل من خلال ما كتبته ( السوسيولوجيا القروية، و الإثنوغرافية) هي ذاتها، أو بمعنى أن نترك للسكان تلك الحرية لإعادة تسخير ما تعودوا عليه ليزدهر مرة أخرى ويضمد جراحه لانه من الاولويات التي لا تعني أكثر من” صون الذاكرة وحماية التراث اللامادي والرمزي” في بيئة هي من أعظم الأماكن التي ساهمت في زخم التنوع والتعدد الثقافي بالجبل المغربي، الذي يدعم اليوم ( الاقتصاد) السياحة، بحكم أن مراكش ومعها الحوز مكان أو فضاء للريادة بما يقدمه من أشكال وانماط الثقافة المغربية الغنية …بمعنى علينا أن نحفظ غنى الثقافة الوطنية من خلال إعطاء مساحة للحرية والحركة للناس كي تعيد تشييد تلك الأنماط ( الفعل. والممارسة ) ،فاذا لم ننتبه وفكرنا بتحديث الحوز كما بقية الأقاليم والمدن، فإن حصتنا ( الثقافية ) ستنمحي كما في أماكن كثيرة حصل ( كلود ليفي ستروس) triste tropique.

كل الذي جرت به الأقدار في الحوز ( الجبل) يمكنه أن يقع في السهل ،والهضبة ، والصحراء والوادي والبحر والمدينة …لا يهم أي الأماكن الجغرافية حيث حصل، إنما كيف نعالج ذلك ، المغرب ( دولة – مواطن ) قاموا بما تتطلبه المحنة من التدخل الأولي ، فيما تتوقف الإرادة الشعبية عند نقطة معينة بالتأكيد، تكون الدولة في موقع، ومن موقع ممارسة ادوارها…و فيما يتعلق بإعادة الاعمار التي أتمنى أن تراعي الأبعاد” الثقافية والاجتماعية للحوز”، حتى لا يتحول الى حواضر فارغة من المضمون الثقافي, الذي أسال مدادا كثيرا ( بول باسكون .دوتي. مونتاني.بيرك. . غلينر ). ان العودة إلى كتابات بعينها يوضح بجلاء أن الحوز كان مفخرة كبرى لأكثر الكتابات التي تناولت المغرب المعاصر على مستوى الاشكال الرمزية والتعبيرية المرتبطة بكل مناحي الحياة فيها.

في المقابل وجدت بعض الأسئلة التي يطرحها جمهور من قبيل : لماذا يسكن هؤلاء الناس الجبل معلقين بينما كان الأفضل لهم اختيار أماكن اخرى للعيش ؟

هذا سؤال ساذج بالطبع، لأن الإجابة عنه تحتاج إلى سلخ الكثير من المعارف المتداخلة والمتراكمة (علم السياسة،الاقتصاد،الجغرافيا، التاريخ، الأديان، البيئة، علم النفس الفيزيولوجية…)، بينما نقول إذا كان هكذا سؤالا ساذجا …فإننا ومعهم نتساءل: لماذا استوطن البشر المستنقعات والغابات المطيرة والبراري والصحاري وبطون الأرض والكهوف وما سواها …؟ الجواب هو : إنها محددات الثقافة يا سادة، وهو ما نريد من الذين سيتولون مهمة إعادة الاعمار، أن تكون كعملية جراحية للقلب كما نسمع دائما بكونها الاكثر حاجة إلى المهارة والدقة، ومعرفة تامة بالتفاصيل الكامنة في الجزئيات.

في الختام، أن عملية اعادة تأهيل الحوز، وتاهيل المجال تبدأ من الإنسان وتنتهي بالمرافق التي تساعد هذا الإنسان على البقاء والثبات في الريف بحس وطني كبير يشعر خلاله بالانتماء و”توكيد الذات”، وراسا” تعاظم الحس الوطني” ، وان الدولة فعلت ما يتطلب منها في مجالات جغرافية تعرضت للكوارث، وان هذه الدولة قامت بذلك بطمانة الناس إلى مقدرتها على “الانصاف المجالي “équité spatiale بكل تجلياتها ( ديمقراطية تشاركية ،تشاور،اشراك ،تنفيذ وعود ، برامج، سياسة عمومية وجيهة ، الاحتكام الى القوانين بحذافرها، الدستور في فصوله 161 الى 170 -20- 139- 150-154 الحكامة ومؤسساتها ومؤشراتها )سواء هناك بالحوز او بكل الجهات التي يمكن ان تشكل بؤرة لقلق عام بحكم (هشاشتها ) أو غياب مخططات استراتيجية للتنمية.

ان الذاكرة الشعبية أو ذاكرة الإنسان الذي جرب فقد أهله وعشيرته واقاربه ومجمل ما كان يعيش من أجله يصبح بلا تاريخ خاص بينما يحتاج الى جماعته لإعادة الإنتاج reproduction، فقد تتشظى اهتماماته بالحياة ،وهي نفس حالة الإنسان في ما يلم به من الأحزان ، فالتدخل بجبر الأضرار إذا كان مفيدا وجيها ،ويستند إلى” أقصى قدر من الفهم “Maximum de compréhension للواقع والحيثياث ويكون مفيدا اكثر (نعمة) .فالذاكرة يمكنها أن تتجاوز تلك الاعطاب مهما كان مما شاهدناه من فقد الناس لاقارب بين 5 أفراد الى أكثر من 10افراد في بعض الحالات من نفس العائلة بحسب تصريحات الأهالي للإعلام ،أو ما فعله الزلزال بمحو ” تجمعات ” بأكملها من الوجود ، كل هذا الألم يمكن للدولة وهي تعيد بعث الحياة بالحوز الجميل ان تعرف أن المسألة هناك تنتمي إلى تسجيل قام به المغاربة كلهم وقد مس الزلزال تفكيرهم وعاشوا لحظاته المرعبة ( الرباط، البيضا، الجديدة ، بني ملال، ورزازات، مكناس، أكادير…), فالشكل الذي سينتهي به الحوز اعمارا ( كل الجوانب المتعلقه بالحياة الخاصة والعامة المتضررين) سيعني المجتمع المغربي في ما يخص” الذاكرة الجماعية “ومفهوم “جبر الاضرار” عند المواطن ، وقد يعني العقود القادمة… و المغرب يستطيع دائما ب( المواطن والدولة ) تخطي امتحانات الطبيعة والظروف ايا كانت…وان تجارب بعينها (الحوز ) خير دليل للحديث على هذا التناغم الذي لن يعكر صفو تلك ( الثنائية) …اقول كل هذا من أجل تحقيق مفهوم “الإستدامة ” ومعناها : .«أن تجد الأجيال القادمة أنه لا يتعين عليها إصلاح شيء من ذاكرة ماض لم ينصف كما كان ساعتها ممكنا ، لأن نقل القيم مهم كي لا يترك لدولة ومواطن العصور القادمة كلفة إجراء مصالحات مارطونية “إستدراكية “اختفت كل بصمات إعادة فهمها جيدا وتركيب فصولها .. لأنه لن يكون مهما ، ولأن الوقت فات، ولأن الضرر لا يمكن جبره في فوات الأوان…ولأن الإستدامة ،اي استدامة السلوك الجيد للشعوب هو حالة عادة ما تكون نابعة من تاريخانية Historicité هذه الشعوب ،اي تراكم نوعي خاص يبحث عن الأمام وليس العودة إلى” غرز” الماضي. وعليه نرجو أن يتمتع القادمون فور تلقيهم بان العام 2023_8_9كان كارثة إنما الأمة المغربية كانت دائما في الموعد مع التاريخ في الآفات و الأمنيات » .

httpsweb.facebook.comelwajihapress scaled 2

شاهد أيضاً

IMG 20231129 WA0068

عامل آقليم الرحامنة يترأس اجتماعا تنسيقيا إخباريا تشاوريا مع مدراء المؤسسات التعليمية بالرحامنة

متابعة: احمد الوردي ترأس عامل إقليم الرحامنة عزيز بوينيان عصر يوم الأربعاء اجتماعا تنسيقيا إخباريا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.