المجتمع المدني والمجتمع المغربي…!

صبري يوسف كاتب رأي وباحث في سوسيولوجيا التنمية

دعنا من كل تلك المهاترات هنا وهناك حول “زلزال الحوز ” واقصد كل ما يكون خرج ولا يزال يخرج على شكل (برامج موجهة بقنوات دولية، حوارات، لقاءات عبر الاقمار الاصطناعية، بلاتوهات، ميكرو رصيف، تحقيقات مشبوهة، اخبار كاذبة fake news، دردشة … روبورتاجات، صور بدون تعليق …وكل الاجناس الصحفية الكبرى او تلك التي أتى بها عالم الاتصال حديثا ) محاولات جزء منها فاسد لا يلامس الحقيقة. والباقي سقيم ويأتي من الأعداء هناك بضفاف اخرى …بالمقابل هناك الجهود التي يبدلها المغاربة ( مجتمع مدني، تعاونيات، لمة اصدقاء، افراد، صحبة، نخبةاعلام عمومي: راديو تلفزة. منصات لصناع المحتوى المحترفة. برامج .ملفات.مواقع إلكترونية صحفية. ربورتاج. ميكرو رصيف. تجار .باعة . حرفيون. نساء ورجال. صحة .تعليم .جيش .وقاية.مواصلات .جهود الدولة. …الى نهاية الفاعلين الذين تحركوا من كل فج عميق في هذا البلد العظيم لمساعدة اخوانهم في الحوز الجميل الطيب …

عادة، لا يمكن فهم وتفسير الظواهر خارج العلم وخارج دائرة العلماء والمختصين، والا فانها تصبح بالتالي “احكاما مسبقة واحكام قيمة” jugement de valeur اي لا يؤخذ بها، وعادة ما يكون بصرف النظر عن من يمكنه أن يمنح لنفسه صورة “فاتح عظيم” وهو يشرح اوضاعا ليست من اختصاصه  اقتصادية.اجتماعية.سياسية.ثقافية.عرقية.دينية.اثنية.ايكولوجية.جيولوجية.سيسمولوجية. انه يتعدى عن الحقائق الموضوعية للعلم وينتج رأيا مجانبا للصواب ويعمم الاخطاء ويشيعها.

سيتجاوز المغرب هذه المحنة التي المت به، وسيعيد الناس رسم البهجة على وجوههم بعضا ببعض، وعادة الشعوب ان تصبر على الألم في انتظار ان يعيد الامل رسم صوره البهية . وتلك سنن هذا الوجود الذي يحتاج العلم لتفسير الظواهر ،ويحتاج نظرة اكبر من مجرد أحكام مسبقة لا تنتج شيئا في الواقع وواقع الظواهر .

في العام 1923 ضرب زلزال ب7 درجات اليابان وجعل البلد بينما كان واقفا يلملم جراح الحرب العالمية الأولى وازمات كانت قد المت ببدايات القرن الماضي يضيف إلى حالته احوالا أخرى ،وفجاة وجدت اليابان ان العاصمة طوكيو قد اقبرت، وان 140الفا هم ضحايا الزلزال المدمر وان مدنا اخرى اختفت ،وان الملايين شردت والالاف جرحت، وان البلد البعيد عن الحاضرة الجغرافية الكونية يعاني لوحده …انما استطاع هذا البد العبور بأمان إلى القوة والجد والمجد بابناءه ساعتها كما اليوم .

تقدم اليابان بسرعة وبين 1923وبداية الحرب العالمية الأولى اي بفاصل 21,سنة، كانت اليابان قوة على المسرح العالمي وكادت ان تغير كل شيء لولا العنف المضاد وبقية القصة معروفة ( بيرلهاربر).

نحن اليوم استطعنا رفع التحدي بالمجتمع المغربي الذي صار اكبر من مجرد الحديث عن فكرة المجتمع المدني “الهيجيلية”. وبالفعل قمت باعادة النيش حول متى ظهر المجتمع المدني في الغرب ،وكم النظريات التي تناولت هذا المجتمع معتبرة انه مهم …وكيف نظرت له جل الفلسفات الغربية الماركسية وغيرها …فقد الهم هذا المجتمع كل التيارات الفكرية هناك …بل يمكن الحديث عن كل التغيرات في الغرب من اللحظة التأسيسية للثورة الفرنسية وادوار هذا الكيان الى ما قبلها وكل ما سيأتي بعدها بنظرهم فعله مجتمعهم المدني …

بالعودة الى الحالة المغربية المتعددة الروافد: ( العربية.الصحراوية. الأمازيغية. اليهودية. الإفريقية) يتوضح أننا قادرون كما كنا على إعطاء الدروس وليس النصائح. لان هناك فروقا جوهرية بين” الفعل والممارسة”, وشيء اسمه” النصيحة “التي لا تتمتع بما ربطه ” رايموند بودون” بالنية والفعل “action et intentions “… قلت اننا نعطي اليوم كما كنا قبل قرون مع الأمة المغربية او الإمبراطورية المغربية الكبيرة التي توسعت جنوب الصحراء الى الشرق الافريقي برمته …الى شبه الجزيرة الأيبيرية بفضل المجتمع المغربي الاوسع من فكرة مجتمع مدني وجد في الغرب وطلب منه بحكم اسباب استهلكها العلم ايجاد الحلول لكل الأزمات وقد عجز…هناك داخل حقل الدراسات الاجتماعية، مفاده أن هذه الحداثة كان لابد لها من مجتمع مدني …بينما المثير ان المجتمع المدني الغربي افرز في النهاية حالة خاصة أو مفهوما خاصا اسمه “الفردانية “Individualisme عزلت فلان عن فلان عزلا موحشا …مع ما تخلل ذلك من بعض الادوار المهمة كنشر قيم ساعدت هذه البلدان على الوصول نحو “الفردانية ” والحداثة التي لا تعني اكثر عند المغربي من مثل شعبي : “كري تبات شري تندغ”.

ختاما اقول وهي مجرد رؤية لشخص يحاول التفاعل مع سياق الأحداث ولا يعتبر رؤيته مانعة جامعة، اننا كمجتمع مغربي ودولة مستقلة لها تاريخها السياسي والثقافي والاجتماعي, يمكن لها كما كان لليابان ودول شبه الجزيرة الكورية، ودول بوسط آسيا، ووسط اوروبا ،وشرق أوروبا والحضارة الهندية …هذه المجتمعات التي صارت اليوم اقتصاديات ملهمة ومهمة وتخلصت من جزء مهم مما يسمى “البراديغمات” الغربية مقابل التعويل على مكونات الثقافة المحلية، وسند التاريخ والروايط والتفاعلات المحلية Interactions locales مما ساعدها ومنحها سيادة على المقدرات المحلية والموارد الوطنية، وساعدها على بناء إنسان قبل الاقتصاد. وبناء ذات,Sujets مؤمنة بأن الاهم دائما عنوانه الابرز: لدينا ما يمكنه ان يمنع عنا صرف النظر الى كيف فعل غيرنا ليتخطى الأزمات .

لاعود واقول ان كل المهاترات التي تتبع المحنة من أعداء هذا الوطن ،بينت اننا “النحن “نحمل المغرب المشيد في كل فرد منا بشكل عجيب جدا الى اي مكان من العالم …ان المغربي يحمل معه الى اي دولة مغربه(الخاص والعام) من خلال: زيته. زيتونه. نعناعه. نكتته. عاداته. تقاليده. تفاصيل السمات الشخصية المغربية وانماط السلوك المحفورة في جدوره الهمت الانثربولوجيا حول مزيد من البحث.

علينا ان نعي ان كل الدراسات الاجتماعية التي تناولت الحوز بشكل رهيب كانت فرنسية وانجليزية بشكل اقل مطلع القرن العشرين …سميت بالدراسات الإجتماعية الكولونيالية(السوسيولوجيا القروية ،الانثربولوجبا الثقافية والسياسية)من وجهة نظر النخبة المغربية .وان جزءا منها قوبل بالرفض من طرف طلائع النخبة المغربية ( الخطيبي.العروي.باسكون .واخربن ) مفاده ان كل هذا الذي كتب قد يصيب ويخطيء، انما لم يستطع أن يكتب احد خارج غناء المجتمع المغربي بالعادات والتقاليد وصعوبة فهم البنياتstructure التي وجدت في هذا المجتمع العظيم ونظمته الرهيبة في التنظيم ( الري.الفرح. الحزن. الزواج…) والذي يعيد اليوم التأكيد التالي :وهو انه قد يكون فينا مجتمعا مدنيا مهما ومتى يتعب فإنه يوجد في حاضنة المجتمع المغربي العظيم …

بقية ما ينشر اليوم هنا وهناك بشكل مضاد، وما يتقوله افراد من المغاربة الموجودين خارج هذا الوطن هو ثلوت pollution sonore..بينما يقتضي الأمر أن يكون اي فعل حاد اتجاه الوطن بمنصات دولية غير مقبول. لان انتقاد اوضاع في زحمة الأقدار لا تبيحه اي فلسفة مهما كانت، فكما يحدث في حالة الفرد المغلوب عادة بفعل طاريء يرجى انتظار شفاءه، فإن الوطن كذلك علينا انتظار تعافيه …وان يكون النقد عالما وليس تجريحا صادر عن ذوات فارغة …وهنا يعيد فينا سلوك “جاد المالح” أن العبرة بمساعدة البلد اكبر من الاعتداد بتفسيرات هنا وهناك تشمت في الفرد نفسه او في البوق الماجور ايا كان الذي يتبنى الإساءة لوطن عظيم.