لم يعد يحتفل بعيد ميلاده منذ مدة او بعيد الحب، لقد كبر عن ذلك ، لم يعد يليق بسنه ان يقتني كعكة مطرزة بالشموع وبشرائط الساتان ويردد تلك الأغنية المشروخة التي لم تتبدل منذ عقود كثيرة .. ( هابي بورتداي تو يو.. ) بل انه أصبح ينظر إلى المحتفين بذلك بنوع من الازدراء… هكذا أصبح يفكر بل مقتنع تماما ..
بعد ان غطى الشيب نواصيه وتدلى بطنه ولبس وجهه نظارة سميكة اشتراها من سوق للخردة اصبح شخصا اخر، رجلا لا يعرفه وانسانا غريبا يسكنه كما تسكن الكائنات الجنية المراحيض والبيوت الخواء ، حتى هوايته التي كان يعشقها حد الجنون وهي لوعة الكتابة وحرقة قراءة دواوين الشعر لم تعد تثيره كما في السابق بل لقد اصبح ينظر اليها شزرا وبسخافة ..
اكثر من مرة حاول حرق مكتبته الصغيرة ، لكنه لا يملك القدرة على ذلك لدرجة ان كتاباته التي سهر الليالي الطويلة على تدوينها وترتيبها وتنمقيها وضبط كلماتها صار يكرهها وتثير حماته وغضبه لسبب واحد وهو انها استهلكت منه عمره وساهمت في تردي صحته المتردية اصلا .
نحن شعب لا يقرأ، شعب يعشق الاخبار الزائفة والفضائح من كل لون ، شعب قدر عليه ان يتخلى عن احلامه وهواياته وان ينسحب من ملابسه وعطوره وساعاته ، وان يدخل في دياجير صمته وحزنه كلما امتد به العمر ..وان يشغل تفكيره بأسعار البطاطا والبادنجان وفاتورات الكهرباء وغيرها والتي تتناسل كل يوم كمرض لعين .
نحن اناس تذبل امنياتنا كما تذبل الورود لتنبث محلها زهور بريه وطفيليات ، نشيخ بسرعة ونهرم قبل الاوان ، ننعزل عن العالم رويدا رويدا ، نفشل في نسج علاقات حب مثينة ، وبدل ان نقرأ ونكتب سيرة ذاتنا لتستفيد منها اجيالنا المقبلة يزداد حرصنا على الاكتناز والصراخ والزعيق لدرجة ان أبناءنا وزوجاتنا يتمنون في قرارة أنفسهم ان نرحل قريبا ونموت في اقرب وقت ممكن.
نحن قوم تنكمش وجوهنا وتبرد مفاصيلنا وتنهار ركبنا وتتساقط اسناننا في وقت مبكر .. نفكر كثيرا نخاف اكثر .. نضحك قليلا .. نغضب سريعا ، نحب سرا ، وكلما امتد بنا السن تكثر شكوانا وعطسنا والغازات المنبعثة من بطوننا …
قال ذلك وهو يشاهد رجلا من مدن السكر يحمل كلبا صغيرا منقطا ورواية العجوز والبحر لإمينغواي وهو يقرأها بتمعن في انتظار ان يصل التراموي لينقله إلى ضفة أخرى ..
رمى بعلب الأدوية الفارغة التي اعتاد ان يجمعها في انتظار ان يرسلها إلى مصلحة التغطية الصحية .. لعن كل شيء في سره ثم اندلف الى ديجوره الكئيب كآبته ليواصل نفس الاستنزاف والحزن العميق .
بقلم عزيز بنطلبة الأستاذ المحامي بهيئة مراكش آسفي