fbpx
أخبار عاجلة
الرئيسية » آراء » الكوارث الطبيعية لا تستأذن، ومن المسؤولية الاستعداد لكل الاحتمالات.

الكوارث الطبيعية لا تستأذن، ومن المسؤولية الاستعداد لكل الاحتمالات.

FB IMG 1675972697873

بقلم: يونس التايب

من المفروض أن يؤدي وقوع الزلازل، أو بعض الكوارث الطبيعية الأخرى، كالفيضانات والبراكين والحرائق والإعصارات والمد البحري “تسونامي”، في أي مكان من العالم، إلى استنهاض وعي مختلف الشعوب والدول بأنها معنية وقد تصيبها هي أيضا، كوارث معينة، وعليها رفع درجة جاهزيتها لمواجهة احتمالات قائمة، والتعبير عن تضامنها مع الدول المصابة، من منطلق الإحساس بوحدة الانتماء الإنساني وما يفرضه من واجب التآزر في المحن، وضرورة الانفتاح الإيجابي على الشعوب التي يصيبها ما قد يصيب الجميع.

لكن، ما نتفق على أنه مفروض أو مطلوب، لا يتحقق دائما بالشكل التلقائي الذي نتصوره. و يكفي التوقف عند ما جرى سابقا من كوارث في عدد من مناطق العالم، حيث لم نر تلك الهبة التضامنية العالمية المرجوة. وآخر مثال في هذا السياق، كان هو الفيضانات المهولة التي عرفتها دولة باكستان وخلفت خسائر لا توصف وهجرة لملايين البشر، دون أن يأتي الدعم العالمي التضامني المرجو. قبل ذلك، أيضا، حدثت حرائق في أستراليا و كوارث في مناطق أخرى من العالم، تم تداول أخبارها لأيام في القنوات التلفزية، ثم سرعان ما نسي الناس أمرها وخرجت من التداول بشكل كلي.

لذلك، أكاد أجزم أن الكوارث تنجح في خلق تعاطف انفعالي عابر وسلبي، لكنها تفشل في جعله يتحول إلى أشكال ملموسة من الدعم الواجب لإغاثة الضحايا أو التخفيف عن المجتمعات والدول المصابة. لذا، تبقى كل الدول والمجتمعات، مطالبة بمواجهة الكوارث بالاعتماد على ذاتها وإمكانياتها، وذكاء مؤسساتها و خبرات أبنائها.

من هذا المنطلق، علينا أن نجدد الوعي المجتمعي في بلادنا، بشأن الكوارث الطبيعية حتى يستوعب الناس أنها أمر محتمل لا يجب الغفلة عن فرضية حدوثها في أي مكان وزمان، وأنه لا أحد محمي من أن يجد نفسه، في يوم من الأيام، ضحية زلزال أو فيضانات أو حرائق. والاهتمام بموضوع تدبير الكوارث لا يعني فقط محور الدعم الإنساني وتقاسم عبارات التضامن مع الضحايا، بل يحيل على المسؤولية الملقاة على السلطات العمومية بضرورة التعاطي مع المخاطر والسعي لتقليل الخسائر بروح استباقية وضبط قبلي لخطط وسيناريوهات التدخل في حالة وقع ما لا نتمنى حدوثه، و التصرف بشكل جيد لتقليل نسبة الضحايا.

ونحن نتابع كوارث تركيا و سوريا، و ندعو لضحاياها بالرحمة والمغفرة، علينا أن نسائل أنفسنا هل نحن مستعدون لمواجهة احتمالات زلازل بنفس القوة؟ هل نحن مستعدون، على الأقل في الحدود الدنيا، في الجوانب المادية واللوجيستيكية والنفسية، لمواجهة كوارث طبيعية، لا يستطيع أحد ضمان أن لا تقع على غفلة من الجميع؟

ليس الغرض من طرح هذه الأسئلة، بعث الخوف في النفوس، بل المراد هو تشجيع مبادرات مسؤولة لتأهيل الذات والاطمئنان على أن ما يتعين القيام به متوفر وقائم، واستحضار واجب الاستعداد الجيد عبر اتخاذ عدد من التدابير القبلية التي يعرفها أهل الاختصاص، ومنها على سبيل المثال :

– تحيين الإطار الجغرافي للمناطق الأكثر عرضة للكوارث (بحسب كل نوع)، و التواصل العمومي بذلك الشأن.

– ضبط المعطيات ورصد البنيات العمومية والإمكانيات المادية والبشرية المتخصصة التي نتوفر عليها في المجالات المعروفة بأنها مناطق زلزالية، وكيف يمكن تعبئتها لمواجهة كوارث معينة (مستوصفات / مستشفيات/ طواقم طبية / سيارات إسعاف / وحدات إطفاء / أسرة ووحدات استقبال ضحايا و جرحى / مدرجات هبوط طائرات هليكوبتر أو غيره للإسعاف …إلخ)؛

– تجديد سيناريوهات التعاطي الاستعجالي مع الكوارث، بشكل يوضح السلوكات التي يجب الانضباط لها من طرف المؤسسات والأفراد، وتبين ما يجب القيام به في حالة وقعت، لا قدر الله، كوارث معينة.

– ضبط خرائط مسارات التدخل و محاور التحرك وأشكال الإمداد.

– رصد المباني و البنيات الأساسية الأكثر هشاشة، التي قد تتأثر في حالة هزات أرضية، أو في حالة حدوث فيضانات، والتوجيه بدعمها لكي تصمد.

– تطوير بدائل و إمكانيات للتواصل في حالة حدوث كوارث وتعطل شبكات الاتصالات الثابتة… إلخ.

مما لاشك فيه أننا نتحدث عن مجال خبرة، بل عن علم قائم بذاته، يسمى تدبير الكوارث. ولدينا قطاعات عمومية معنية بشكل مباشر بضبط تلك الخبرة، كما أن عددا من المسؤولين العموميين، مركزيا وجهويا و محليا، على دراية بالموضوع، والمفروض أن لديهم كفاءات للمساهمة واتخاذ المتعين في حالة حدوت كوارث طبيعية معينة. لكن، برغم كل الثقة الممكنة في ذواتنا، لا شيء يجب أن يمنعنا من :

– تفعيل برامج لتقوية القدرات المؤسساتية في محور تدبير الكوارث الطبيعية والتعاطي مع المخاطر، بشكل هادئ ومنهجية مهنية احترافية ؛

– تأهيل التجهيزات ووسائل العمل التي تحتاجها المؤسسات والإدارات المعنية للتدخل عند الاقتضاء؛

– برمجة عمليات تدريب وأوراش ميدانية وتمارين نموذجية تحاكي سيناريوهات تدخل حقيقي ؛

– إطلاق حملة تواصل توعوي لتقوية قدرات المواطنين وتنبيههم إلى السلوكات المثلى التي عليهم اتباعها في حالات الاستعجال المرتبطة بتدبير الكوارث الطبيعية؛

– إشراك فعاليات المجتمع المدني، وتشجيع تخصص بعض مكوناته في محاور الإسعاف، في أفق توفير فرق من المسعفين المتطوعين القادرين على تقديم الدعم عند الاقتضاء.

لاشك أن الحياة جميلة ويتعين أن نحياها وكلنا أمل وتفاؤل وثقة في أن قدر الله وقضائه فيه الخير والرحمة واللطف. وبالموازاة مع تلك القناعات، لايجب أن ننسى ضرورة تجديد اليقظة، و رفع جاهزيتنا كأفراد و مؤسسات، وتطوير مستوى الوعي الجماعي، وتأهيل التواصل العمومي بشأن أمور “محتملة الحدوث”، وضبط السيناريوهات الممكنة لتدبير الكوارث التي تأتي بشكل مفاجئ دون أن تستشير أحدا أو تستأذن قبل الحدوث، وفي الغالب يتجاوز حجم أثرها المستوى الذي نستطيع التعاطي معه في الأيام العادية.

بالنظر إلى ما تعرفه بلادنا من تحديات وإكراهات متنوعة، أكثرها حساسية تلك التي ترتبط بموضوع الجفاف ونذرة المياه، أفضل ما علينا ترسيخه في سلوكنا، حاليا وبشكل عام، هو رفع اليقظة وتحريك دواليب التدبير المجالي بكل تفريعاته، وتحيين معرفتنا برصيد إمكانياتنا المادية والبشرية، حتى نكون قادرين على مواجهة أثر الكوارث وظروفها الاستثنائية، إذا ما حدثت لاقدر الله. ويقتضي الاستعداد الجيد، اعتماد وضع جرد بالاحتمالات الممكنة في سياق تدبير استباقي، وعدم الاستهانة بما تستطيع الكوارث الطبيعية إحداثه حين تقع في غفلة من الجميع، من صدمة تعيق التفكير وتخلخل القدرة على التحرك الهادئ والفاعل، سواء من قبل المصالح المختصة والجهات الرسمية، أو من المواطنين وفعاليات المجتمع.

المغرب كبير على العابثين
أنيروا الطريق
سالات الهضرة

httpsweb.facebook.comelwajihapress scaled 3

شاهد أيضاً

230716041504

البرلماني العياشي الفرفار: طفولتي كنت اسرح خمس بقرات وعجل صغير

حكاياتنا بالعالم القروي حكايات غير ملونة، لكنها حكايات صادقة وحقيقية وهنا تكمن قيمتها. العالم القروي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.