عبد الإله شفيشو/ فاس
الحج إلى مكة لمن استطاع إليه سبيلا ومن لم يستطع فالبدائل متوفرة على الأقل هذا ما يعتقد به البعض ممن يقصد أضرحة الأولياء والصالحين في أماكن مختلفة من ربوع المملكة و التي يقدر عددها على ما يزيد من سبعة آلاف (7000) زاوية وضريح حسب آخر إحصاء رسمي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويعرف المغرب بأنه بلد المئة ألف (100،000)ولي مسلمون ويهود إذ لا تكاد تخلو مدينة أو قرية من أضرحة لأولياء معروفين أو مجهولي الهوية ففي كل منطقة وعند كل قبيلة أو تجمع سكني تجد قبرا أو ضريحا أو زاوية دينية يقصدها المريدون لممارسة طقوس دينية معينة يتمازج فيها ما هو إسلامي بما هو يهودي، وليس كل الأولياء والصالحين على درجة واحدة من التقديس والاحترام كما أن (بركات) هؤلاء تختلف مستوياتها بحسب السؤال والطلب.
للزوايا والأضرحة بالمغرب حضورها وأهميتها داخل نسيج المجتمع وحياته وخصوصا أن لها جذورا ضاربة في عمق تاريخه الديني والسياسي منذ الأدارسة إلى العلويين حيث ارتبطت من جهة بالنسب الشريف أو الانتساب لآل البيت كما ارتبطت من جهة أخرى بالتصوف خاصة المؤسساتي الذي تدخل في إطاره الزاوية التي لعبت أدواراً مهمة في تاريخ المغرب السياسي والاقتصادي والاجتماعي وخاصة في فترة ما قبل وأثناء الاستعمار حيث كانت الزاوية بمثابة سلطة محلية قائمة بذاتها وتمكنت من أن تفرض نفسها على المخزن (الدولة المركزية) كقوة حقيقية التي كانت ولا زالت تتلقى منه الهبات والهدايا أو ما يعرف بالزيارة، ويلاحظ أن السلطات المركزية و الجهوية و الإقليمية والمحلية وبتنسيق مع المنتخبين(كل حسب أهدافه ومصالحه) خاصة في السنوات الأخيرة تحزموا وسخروا كل الوسائل المادية و المعنوية لدعم التدين الشعبي فكثيراً ما عملوا على إعادة إحياء مواسم بعض الأولياء والأضرحة التي كانت شبه منسية.
إلى اليوم فإسلام الزوايا والمواسم من أكثر التجمعات المربحة للكائنات الحزبية والمريحة كذلك للسلطة بحيث لا تشكل أي قلق لها أو خطر عليها وهذا ما يفسر دعم كل من المنتخبين و السلطة لها وتوقير شيوخها ومنحها الهبات والهدايا فالدولة اعتمدت سياسة إحياء الطرق الصوفية منذ تسعينيات القرن الماضي وخاصة مع بدايات انتشار التيارات السلفية بالمغرب وحركات الإسلام السياسي، لذا كان من الطبيعي أن تتبنى الدولة استراتيجية توظيف قوى اجتماعية وسياسية مقابل أخرى عن طريق دعمها المباشر أو غير المباشر لها وهو ما ستنجح فيه إلى حد كبير إذ نشهد مهرجانات سنوية للعديد من الزوايا والأولياء غالباً ما يتم افتتاحها من قبل سلطات عليا إلى جانب نواب برلمانيين للمساهمة في تنظيم وتأمين الموسم في ما يشبه لعبة تبادل للشرعية أو الشرعنة كما أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في الترويج لها عن طريق برامج تعريفية بالزاوية أو متابعة احتفاليتاها السنوية في فترات إحياء المواسم أو الموالد داخل الزاوية أو الضريح.
ما معنى أن نعيش في المتناقضات التي ترجعنا إلى الوراء مئات السنين؟ وما معنى أن نعيد سيرة الجاهلية بلبوس جديد وبعقلية مازالت تحن إلى أيام القرون الوسطى؟ وما جدوى العيش في جلباب التخلف والماضي الضائع والتراث الدموي من جديد؟، أسئلة مطروحة ويبقى على عاتق من يعتبر نفسه مثقفا وقادرا على سبر أغوار الظاهرة الخطيرة التي نعيشها أن يجيب عنها بإقناع وتفكير جاد فما يمارس ببعض المواسم و الأضرحة في مجتمعنا المغربي خاصة يظهر بجلاء أن المجتمع وبكل أطيافه بحكم زيارة الكل لهذه الأماكن مازال أيضا يعيش أيام “أبي لهب” و “أبي سفيان” ومازال يعيد إنتاج عبادة “هبل” و “مناة ”و “العزى” ومازال أيضا يحن لوأد البنات إن لم يكن ظاهريا ففي دواخله مازال يعتبر المرأة عارا، والمضحك المبكي في هذا الأمر أننا نجد الكثير من مرتادي هذه الأماكن هم من الكائنات السياسية والنخب الثقافية التي لا تتوقف عن نقد طقوس البوذيين والهندوسيين وغيرهم .
إننا نتساءل هنا فقط مع النخبة المثقفة (الأنتليجنسيا) ما دورها في محاربة هذه الظواهر المتخلفة؟ هل ستسمر في سياسة الصمت واللامبالاة أم ستنهض من سباتها الثقافي لتعيد إنتاج مجتمع خال من الشعوذة والجاهلية؟ وما هو دور المثقف المغربي بصفة خاصة الذي يدعي الثقافة ولا يمارسها في حياته ولا يؤثر بها في مثل هذه الظواهر؟، إن المتغيرات التي يعيشها المجتمع المغربي في إطار التطور الطبيعي للمجتمعات وفي إطار العولمة والانفتاح على الآخر لا بد أن يكون له تأثير في تراجع دور الأضرحة والمواسم في حياة الأفراد ولكن هذا لا يعني أنها تسير نحو نهايتها فحتى المجتمعات الأكثر عقلانية لم تتخلص إلى اليوم من مثل هذه المعتقدات.