بقلم: محمد الشمسي
إن كان للحظ نصيب في السياسة فإن المغرب أكبر بلد في العالم غير محظوظ، المغرب الذي سقى جنوده أرض فلسطين وسوريا والأردن ومصر بدمائهم وهم يناصرون الإخوة في الدم والتاريخ واللغة والدين، المغرب الذي ليس لاعبا دوليا ممسكا بسبب من أسباب التأثير، المغرب الذي يعاني غدر الجارين، جار أخ شرقي مسلم يتلهف لفصل رأسه عن جسده، و جار نصراني تهافت على مدن وجزر مغربية فاستولى عليها كما يفعل القراصنة…
هذا المغرب لا يحظى من بعض الصحافيين الذين يقتاتون على قضية وطنهم حتى بشهادة حق، إن لم تكن مستوحاة من سجلات التاريخ فعلى الأقل تسمح لهم أعمارهم وقد بلغوا من الكبر عتيا أن يشهدوا بما عاينوا وعلموا…
وسبب نزول هذه التوطئة أن الصحافي عبد الباري عطوان الفلسطيني المولد والانجليزي المقام وربما حتى الجنسية تحدث بالبهتان عن زيارة “الاخ عباس” للجزائر، وتعمد الصحافي الذي يقتات على مصائب شعبه وهو الذي لم يسبق له أن رمى صهيونيا بحجر، بل يناضل من لندن ويجاهد من فنادق مصنفة، تعمد هذا الصحافي الذي كنا نتطلع لافتتاحياته في ” القدس العربي” ونحن يافعون ، وهو يُسوِّق لنا الحلم العربي بالوحدة المستحيلة، تعمد الى إقحام المغرب في تلك الزيارة، ووصف عباس بالمقرب من المغرب، وأثنى على الجزائر، ثم عاد للسع المغرب بقلمه إفكا وباطلا، فتوهم و”التقليد عليه” أن الجزائر تعادي المغرب بسبب علاقة المغرب بإسرائيل، وأن الجزائر عضو في حلف الممانعة، وأن اتفاقيات المغرب مع إسرائيل ستجلب له وبالا وقال…وقال…
أن يمدح الجزائر فذاك حقه، وأن يعيب على المغرب سياسته فهذا أيضا حقه، لكن أن يكذب على التاريخ فهذا لا تجيزه له حتى الديانات الوثنية، فالجزائر أعلنت العداء على المغرب مباشرة بعد استقلالها في مستهل الستينيات، والمغرب هو الذي غذى ثورتها التي دامت اكثر من 130 سنة، والجزائر حضنت انفصاليين مغاربة وغررت بهم واوهتهم بدولة ذات حدود بلا سيادة، ثم حرضتهم ومدتهم بالسلاح والمرتزقة وقعد جنرالاتها يتفرجون على لعبة الدم في حرب انتهت لكن بقيت آثارها المدمرة، فنظام عسكر الجزائر يا عبد الباري عطوان هو حصان اعرج راهن عليه مقامر مفلس، إنه وشأنه شأنك أنت ومن يدور في فلككم يتاجر بالقضية الفلسطينية حتى يفك قيود الحراك التي تطوقه فيريد مسح آثام شرعيته المعلقة بأوراق فلسطين، عله يقمع أو يخمد نيران ثوار يخرجون لثلاث سنوات مطالبين ب”رحيل العصابة”، نظام الجزائر كما نظام إيران كما ما تبقى من نظام الأسد كما “الحزب الدولة” في لبنان، هذه أنظمة شمولية تكفر بالارادة الشعبية وتمقت صناديق الاقتراع وتكفر بالديمقراطية وتكره المعارضة، وهي تحاول تجميل وجوهها المستبشعة بمساحيق فلسطينية، وهي أنظمة خائبة فاشلة تخفي تجاعيدها الفظة بشعارات رنانة خاوية، وتلقى من صحافيين من أمثالك المديح والتطبيل والتهليل وطبعا كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما تفعلون …
وأعود بك لميثاق الصحافة كما هو متعارف عليه دوليا، فنجده يلزم الصحافي بالانحياز للمبادئ السامية والكبرى لتوجهات الإنسانية، فالصحافي بفطرته السليمة ينبذ الديكتاتوريات أينما برزت، ويرفض الإحسان المسموم، ويأبى السمسرة في القضايا العادلة، ميثاق اخلاقيات الصحافة يلزمك يا عطوان بأن تصف الطاغية بالطاغية، والانقلابي بالانقلابي، والمستبد بالمستبد، لا تستحضر في ذلك غير حكم التاريخ ووجه الله إن كنت من الموحدين، وأن ترد المعاونة من اللصوص بسمو ورفعة، وأن لا تحدو حدو تلك الراقصة الرخيصة التي ترقص بين يدي من يدفع.
لم تكتب يوما يا عطوان أن الصحراء مغربية وأنت تعلم ذلك، لم تكتب يوما أن عساكر الجزائر توارثوا ذات الارادة في تمزيق المغرب والتحريض على ذلك، بل في تبديد ثروة شعب كرشاوى للجماعات الضاغطة لعلها تشتري للجزائر مسؤولا سياسيا كبيرا ومؤثرا، أو حيزا في مجلة، ليغنيان معها أغنيتها وأمنيتها في مغرب “مقسوم على جوج”، لم تلمهم يوما في سطر أو سطرين لومة الاخ لأخيه، لم تلحق المغرب بصحرائه رغم أن إلحاقك لا يقدم ولا يؤخر، ووجد المغرب الخير في ترامب ولم يجده فيك ولا منك، ولا في “تبونك” ولا في ” أئمتك”، أما عباسك الذي نزل ضيفا على “تبونه” فقد جاء في وساطة بين نظام الجزائر وإسرائيل لإعلان إقامة علاقة بين الطرفين تبقى سرية الى حين، ثم تخرج للعلن بحسب المكاسب والمغانم، عباسك يا عطوان مجرد أجير لدى إسرائيل لا يزور دولة إلا بموافقتها ولا يعود منها إلا وقد كتب تقريرا مفصلا عنها، عباسك يا عطوان مثلك تماما تبيعون الارض يوميا، ولا تشبعون من بيعها والتمتع بعائداتها، حتى إذا بارت تجارتك سبحت في حوض الانترنت في ثياب الوعاظين الكاذبين عن القضية لصيد قطعان القراء والمشاهدين لرفع المقروئية لتجمع مالا لبدا من العالم الافتراضي، أما المغرب فشامخ منتصب ترتطم به “مويجاتكم القصيرة والصغيرة ” فترتد خاسئة حسيرة…