ابراهيم حريري
مدينة العيون مخيمات تندوف
تدفعنا المتغيرات الدولية والإقليمية المتسارعة لدق ناقوس الخطر حول وضعية “اللاجئين الصحراويين” في مخيمات تندوف، ومحاولة البحث عن أحسن السبل لحمايتهم والتفكير القبلي بما يمكن أن يحدث من متغيرات جيوسياسية سواء في البلد المحتضن: الجزائر أو في الميلشيا (الحامية) أو المراقبة لسكان المخيمات.
I- نبذة تاريخية
منذ استرجاع المغرب لصحرائه سنة 1975، طفت على السطح منظمة مسلحة تدعي أحقيتها بتكوين دولة في المناطق التي كانت تحت الاحتلال الإسباني مما أدى إلى تطور الأحداث ودخول الجزائر كطرف قائم الذات في الصراع وأعطى ميلاد المخيمات بالقرب من تندوف في الأراضي الجزائرية.
ولابد هنا من التذكير أن كلمة “لاجئين” تبدو لنا جد محايدة، ذلك أن ما وقع فعليا في أقاليمنا الصحراوية كان عبارة عن تهجير وترحيل قسري، تحت طائلة التهديد بالقتل، قامت به مجموعات مسلحة التابعة لما يسمى بجبهة البوليساريو، وبدلا من إدانة عملية التهجير القسري لسكان الصحراء تجاه تندوف، وقع التغاضي عن هذه الجريمة في حق الإنسانية وتم التعامل مع الوضع القائم دون البحث في كيفية تكوينه، وهذه المسألة تدين المنظمات الحقوقية الدولية كما تدين البوليساريو وحاميتها الجزائر.
على أن “التغاضي” عن البوليساريو وجرائمه سيصبح سياسة قائمة الذات، ففي انتهاك صارخ للقوانين الدولية الإنسانية، تقوم مجموعة مسلحة بتسيير المخيمات وسيصبح بالتالي، ولأول مرة في التاريخ الحديث، جماعة مسلحة تقوم بحراسة “لاجئين مدنيين” مع ما يحمله ذلك من احتمالية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لتلك المجموعة المسلحة في حق السكان المدنيين.
ولقد سرد البروفيسور عبد الحميد الوالي، في كتابه “الانزياح عن الحماية الدولية للاجئين” مخيمات تندوف نموذجا، مجموعة من نماذج انتهاكات البوليساريو لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف من جهة ولعمليات التضليل الممنهج التي تقوم بها كل من الجزائر والبوليساريو لواقع سكان المخيمات.
كما تجدر الإشارة أن الوكالة الأممية لشؤون اللاجئين تتحمل مسؤوليتها في “تسليح” مخيمات هي في الأصل مخيمات مدنيين هاربين، نظريا، من منطقة حروب.
II- الوضعية الجيوسياسية الحالية وتأثيرها على وضعية اللاجئين
تعيش الجزائر، البلد المحتضن للاجئين الصحراويين في أقصى جنوبها وفي منطقة تندوف تحديدا، أوضاعا سياسية وأمنية غير مسبوقة، وتتسابق الأحداث في الجزائر منذرة بعواقب كثيرة، فمن جهة هناك مطالب استقلالية في الشمال (القبايل) وأخرى في الجنوب، وهناك حراك شعبي منذ أكثر من سنتين يطالب بإسقاط النظام العسكري القائم، وقد انضاف خلال هذا الأسبوع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليؤكد أن الرئيس المدني الجزائري رهينة بيد العسكر، مما يعني أن فرنسا تعتبر الجزائر، اليوم، ذات نظام عسكري محض، وهذا يؤشر لازدياد ضغط الشارع من أجل إسقاط هذا النظام التي تدل مؤشرات كثيرة: اجتماعية وسياسية أنه يعاني من خطر الانهيار.
أما على صعيد البوليساريو، فإن الصراع على السلطة يزداد بفعل المرض المزمن الذي يعاني منه زعيم التنظيم الميليشياوي ويبدو أن هناك عمليات مشبوهة قائمة اليوم تربط هذا التنظيم الذي طالما حظي بالعطف غير المبرر بل أحيانا حظي بمعاملة تمييز إيجابية فقط لإغاظة المغرب، وبين التنظيمات الإرهابية التي تشتغل في منطقة الصحراء والساحل.
مجمل هذه التطورات قد تؤدي ببعض الدول لاعتبار البوليساريو تنظيما إرهابيا وهو ما سيؤثر سلبيا على الأوضاع الإنسانية في مخيمات تندوف.
فما العمل إذن؟
III- نحو ممر إنساني برعاية الأمم المتحدة CORRIDOR
يعتبر المغرب أن الصحراء جزءًا من ترابه وأن الصحراويين هم أبناؤه وأولئك المتواجدون بمخيمات تندوف هم جزء من أبنائه، جزء تم التغرير به وجزء تم ترحيله بالقوة.
لذلك يعتبر المغرب نفسه مسؤولا، أخلاقيا وسياسيا ودينيا أيضا، على مصير ساكنة تندوف من اللاجئين وكثيرا ما طالب المغرب بإحصاء السكان، وفي عز جائحة كورونا كان المغرب على أهبة الاستعداد لمنح سكان المخيمات، جزءاً مهما من اللقاحات المضادة لكورونا.
لا أريد هنا التركيز على الحالات الفردية وهي كثيرة، لسكان المخيمات الذين حاولوا الفرار، فتصيدهم مسلحو الجبهة أو تصيدهم الجيش الجزائري في مناطق نفوذه، لكن أود هنا مناقشة فكرة إنشاء ممرات إنسانية تسمح للراغبين بالعودة نحو المغرب بتمتعهم بهذا الحق الإنساني البسيط، هذه الفكرة طبقت في سوريا بشكل مختلف ولكن في حالة ” اللاجئين في مخيمات تندوف”، يمكنها أن تطبق كحل لمجمل تناقضات وانزياحات المجتمع الدولي في سبعينيات القرن الماضي والعمل على تصحيح تلك الأخطاء قبل أن تتطور الأمور إلى الأسوأ، وهو ما تنذر به التحولات الجارية في الجزائر من جهة وداخل البوليساريو من جهة ثانية.
مصير الإنسان وحريته سواء في التنقل أو غيرها، حقوق أساسية معترف بها دوليا. “اللاجئون” في مخيمات تندوف محرومون منها ومن حقوق أخرى أقلها العيش في وسط لائق، ولعل الأمم المتحدة مطالبة اليوم بالتفكير في آليات أخرى تضمن هذه الحقوق وتخرج من منطق الحرب الباردة ومن منطق المشاكسات بين بعض الدول والتي يذهب ضحيتها آلاف المواطنين لا ذنب لهم سوى كونهم ولدوا في مناطق تنازع النفوذ.