أشرف بن الجيلالي
تُعدّ المديرية العامة الأمن الوطني إلى جانب رئاسة النيابة العامة أكثر الإدارات المغربية تفاعلا مع شكايات المواطنين، واستجابة لنداءاتهم المرفوعة سواء كانت مكتوبة أو مرئية، على المواقع أو الصحف أو على اليوتيوب. حيث يواكب المواطنون سير الأمور منذ الإعلان عن فتح تحقيق إلى غاية إغلاق الملف، في مظهر من مظاهر الشفافية التي باتت تسم المؤسستين في التواصل مع المواطنين.
وفي غياب هذه الشفافية، تبدو المندوبية العامة للسجون متحفّظة وكتومة، فهي تسارع إلى نفي فقط ما تراه مناسبا من أخبار وتقارير وأرقام وتسريبات، وتضرب صفحا على الباقي. وقد تتفاعل كما تتفاعل المديرية العامة للأمن الوطني مع قضية منشورة يستغيث فيها سجين من ظلم ما طالبا فتح تحقيق، فتستجيب لطلب السجين، وتفتح تحقيقا، لكن دون أن تنشر بلاغا في الموضوع، ودون أن يعرف الناس ما جرى، ولا إلى ما آل إليه التحقيق.
أقول هذا، وأنا أريد أن أخبركم بأنه في تاريخ 7 فبراير 2020، نشرتُ في هذه الزاوية مقالا عبارة عن شكاية للمعتقل ع ك الذي أكد حسب شهادته تعرضه لاعتداء شنيع من طرف رئيس المعقل، فنتج عن هذا الاعتداء تعفن إحدى خصيتيه توجب بترها. وفي يوم الاثنين 10 فبراير 2020 أي ثلاثة أيام بعد نشري المقال/ الشكاية أوفدت المندوبية العامة لإدارة السجون لجنة خاصة استمعت للمعتقل المشتكى، ولم يعرف أحد إلى ماذا انتهت لجنة الاستماع، خاصة و أن المعتقل المشتكي تم الإفراج عنه اسبوع بعد نشر المقال، كل ما أعرفه أنه تم تسريب رقم هاتفي لأسر المعتقلين التي طلبت مني التدخل ونشر شكايتها عما يتعرض إليه ابناؤها داخل السجن المحلي عين السبع 1.
لم تكن الشكايات في الغالب تخرج عن مطالب كل السجناء بالاستفادة من حقوقهم المشروعة من النظافة إلى التغذية إلى التطبيب… غير أن اتصالا هاتفيا من أحد أقارب المعتقلين أذهب النوم من عيني بعدما حمّلني مسؤولية ثقيلة، وهي أن أكتب عن قضية معاناة قريبه مع مرض فقدان المناعة المكتسب السيدا. معتقل مصاب بالسيدا يريد مني أن أكتب عن قضيته حفاظا على صحة وحياة مغاربة محتملين.
وقبل أن أسرد شكواه، ارتأيت أن أقوم ببحث عن الجهود التي تبذلها المندوبية العامة لإدارة السجون في هذا الموضوع، فكانت النتيجة (حملة 0 وصمة، 100٪ كرامة إنسانية). هذا هو شعار المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وهي تعلن عن إطلاق حملة للتحسيس والكشف عن فيروس نقص المناعة “السيدا”، لفائدة نزلاء المؤسسات السجنية في شهر دجنبر من سنة 2017. وخلال التقرير العام للمندوبية العامة لإدارة السجون لسنة 2017، وفي صفحة 76 نجد (أن المندوبية العامة قامت بتكثيـــف أنشـــطة الكشـــف عـــن داء فقـــدان المناعة بالمؤسســـات الســـجنية، إذ قامت الاطر الطبية وشبه الطبية التابعة للمندوبية العامة بإجراء 10463 اختبار للكشف لفائدة نزلاء هذه المؤسسات أي ما يعادل نسبة 13 %من مجموع الساكنة السجنية. علما أن مجموع الاختبارات التي أجريت خلال جميع الحملات التي تم تنظيمها خلال سنة 2017 بلغ 20374 اختبارا). ولكن السؤال المطروح لماذا لم تنشر المندوبية العامة لإدارة السجون نتائج هذه التحاليل، ولم تخبر المغاربة بنسبة المعتقلين المصابين؟
أترككم الآن مع صرخة السجين المصاب بالسيدا الذي يقبع حاليا بالمستشفى المتعدد الاختصاصات بالسجن المحلي عين السبع 1 بالزنزانة 5 ورقم اعتقاله 22267.
في شهر ماي من هذه السنة، تم إيداعي سجن عكاشة، وتم وضعي بالجناح 8 من أجل الحجر الصحي لمدة 15 يوم. بزنزانة ضيقة رفقة حوالي 24 معتقلا. كنت أحس بالاختناق من شدة الروائح الكريهة. تقدمت بطلب للموظف أؤكد فيه بأني مصاب بالسيدا، وبأن وجودي في هذه الزنزانة المزدحمة يشكل خطرا علي وعلى الموجودين، وبأني أريد نقلي إلى المصحة من أجل الخضوع للرقابة الطبية. إلا أنه رفض طلبي مرات، قبل أن يتم نقلي إلى الطابق الثالث من نفس الجناح، لكن ما إن علم باقي المعتقلين معي في الزنزانة بأني مصاب بالسيدا حتى بدؤوا في سبي واحتقاري، ونشب شجار جعل الموظف أو المربي حسب المندوبية يتدخّل، فقام بضربي وأنا أصرخ: راه فيا سيدا واش بغيتو تقتلوني؟ واش بغيتو تقتلو الناس لي معايا.
ليتم تنقيلي عندها إلى الجناح 3 ، وفيه تكررت نفس المعاناة بل ربما زادت أكثر، حيث تم وضعي مع معتقلين يعاني بعضهم التهابات جلدية بارزة للعيون، وبعضهم يصدر منهم سعال قوي، فشعرت بالخوف أنا الذي أعاني من فقدان المناعة. وللمرة الثانية، قمت بالاحتجاج حتى تم اصطحابي إلى رئيس المعقل للاستماع إلي. شرحتُ له معاناتي، فأبدى تجاهلا، وشعرت بالإهانة الشديدة وهو ينصت إلي باحتقار ثم وهو يستخف بكلامي، فانهارت أعصابي، وبدأت أمامه بالصراخ بما معناه أني مريض، وأرجوكم لا تضعوني مع أشخاص يزيدون من معاناتي. ” راه غادي نمرّض الناس وغادي نمرض أكثر”. لم يتقبل رئيس المعتقل صراخي و احتجاجي فجاءني الرد على شكل صفعة قوية زلزلت وجهي، وسقطت مغشيا علي. وبعدما تم إيقاظي وضعوا أصفادا رباعية كأصفاد معتقلي غوانتنامو، أصفادا في يديّ وفي رجليّ أنا الذي لا حول لي ولا قوة. ليتم نقلي للكاشو بالجناح 6، قضيت فيه 15 يوما في الطابق الأول، وحوالي 24 يوما بالطابق الثاني. دخلت في حالة نفسية جد متدهورة، فقررت الانتحار. تدخل الموظفون، وتم تصفيدي مرة أخرى بالأصفاد الأربعة، فدخلت في إضراب عن الطعام حتى أصبح وزني 51 كيلو. توجهت بشكاية إلى مدير السجن، فكان التجاهل هو الجواب. وبعدها وجهت شكاية إلى المندوبية العامة لإدارة السجون، سلمتها للموظف الذي حين اطلع عليها مدني بمطبوع خاص لأعيد كتابة الشكاية. لأتفاجأ بعدها بزيارة موظف يطلب مني التريث والهدوء. ليتم بعدها نقلي إلى المصحة، وهناك اكتشفت مصابين آخرين بالسيدا، مخالطين لمعتقلين آخرين دون أي إجراء للوقاية.
لقد كان من بين أبسط مطالب هؤلاء المصابين هو الحصول على الدواء و على آلة حلاقة للشعر خاصة بهم، ولا يتشارك والمعتقلين الآخرين استعمال واحدة، لأن هذا خطر عليهم، خطر على صحتهم، وعلى صحة ذويهم عندما يخرجون. لقد منعوني أنا أيضا من آلة حلاقة خاصة رغم أن أحد المدانين في قضايا الإرهاب ممن سلمتهم السلطات الدانماركية يستعمل آلة حلاقة خاصة به و امتيازات كزنزانة لوحده، إن أخطر ما رأيت هي آلة الحلاقة الخاصة بالشعر التي يتم استعمالها من طرف كل المعتقلين. حتى أن أحد المصابين بالسيدا توفي في نفس الذي صدر فيه العفو الملكي بتاريخ 5 أبريل 2020 بسبب كورونا، فلم يهنأ لا هو ولا زملاؤه الذين علموا بمرضه وقد كانوا يتشاركون معه في آلة الحلاقة. مما دفع بأحد المعتقلين ان يطلب من عائلته جلب آلة حلاقة خاصة به، و رغم ان عائلة المعتقل سلمت آلة الحلاقة للموظف بالسجن غير أن الإدارة لازالت تحتفظ بها، مما دفع به الى عدم حلق شعره او وجهه لمدة تزيد عن 4 أشهر، و الإدارة تتجاهل مطلبه
المهم، في المصحة تدهورت صحتي بسبب عدم توفري على الدواء فتم نقلي للمستشفى، اعتقدت انه سيتم نقلي إلى الجناح 23 بمستشفى ابن رشد الخاص بالأمراض المعدية، حيث أتوفر على ملف طبي رقم 915، لأتفاجأ بنقلي إلى قسم الأمراض العقلية.
أيتها السيدات، أيها السادة، إن معاناتي أصبحت لا تطاق، وما يؤلمني هو رؤية مصابين بالسيدا مثل المعتقل رقم الاعتقال 22238 والمعتقل 19897 يخالطون في نفس الزنزانة معتقلين آخرين أصحاء، أو مصابين بأمراض أخرى. مما يهدد بكارثة صحية داخل المعتقل( لا سمح الله).
انتهت شكاية المعتقل. ولم تنته القضية بعد. قضية مصابين بالسيدا لا يطالبون إلا بعزلهم عن باقي المعتقلين حماية لهم من العدوى وتوفير الدواء، الحياة داخل السجون لا تحترم أية بروتوكولات صحية، الكل مهدد في أية لحظة بالإصابة. ومعاملة المصابين لا تحترم آدميتهم، الوضع مهدد بالانفجار في كل لحظة. وتفاديا لإصابة النزلاء وانفجار الوضع… أقول للسيد المندوب العام لإدارة السجون: من هنا قد تكون البداية، من المعتقل رقم 22267
Facebook: https://www.facebook.com/Achraf-Ben-Jilali-اشرف-بن-الجيلالي-478052735718385/
Email : ahmed.achraf1@gmail.com