هل كان لابد أن نعيش فاجعة أخرى من سلسلة الفواجع التي لا تنتهي حتى نقول إن هذا الشعب لا يستحق كل هذا. لا يستحق أن يقود مصيره مثل هؤلاء المسؤولين، ولا يستحق أن يعيش على هذه الأرض مثل هذه الحياة التي لا تريد أن تتحسن.
مرة أخرى، ستمر فاجعة قطار بوقنادل كما مرت الفواجع بهذه البلاد. صدمة في البداية، يليها غضب شعبي، فإعلان رسمي بتشكيل لجنة تحقيق، ثم طيّ للملف في انتظار أن يُفتح ملف آخر مع مأساة أخرى.
لذلك، لا نطمع كثيرا في أن تشكل حادثة انقلاب القطار استثناء. وبعد أيام، سينسى الناس ما حدث، ووحدهم عائلات القتلى والجرحي من سيتذكرون، وسيتمنون في كل وقت من الله أن يريهم عجائب قدرته في من تسببوا في آلامهم وفلتوا من العقاب.
لكن هل كان لزاما علينا انتظار فاجعة أمس حتى نتذكر 24 قطارا كان المكتب المغربي للسكك الحديدية قد أبرم بشأنها صفقة مع شركة «أنسالدوبريدا» الإيطالية، إثر طلب عروض دولي، بتكلفة إجمالية تناهز ملياري درهم (حوالي188 مليون يورو او 36.31 مليون دولار) بتمويل مغربي ـ إيطالي في عهد كريم غلاب؟ هذه الصفقة لم تحترم بنود دفتر التحملات من الناحية التقنية، حيث انه كان من المفروض تزويدها بأحدث المعدات التكنولوجية في مجال المراقبة والسلامة والتكييف والإعلانات الصوتية والرقمية والإلكترونية. كما أنها لا تتوفر على تجهيزات لفائدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة كمصعد وفضاءات خاصة.
هل كان لابد من حادثة قطار الرباط القنيطرة ليعطي الشعب من جديد دروسا بليغة؟ فليس الشعب هو تلك الجماعات الانتهازية التي تتاجر بدماء أبناء الوطن. ليس هم تجار الحروب والأزمات الذين رأيناهم يتجاهلون نزيف القتلى والجرحي وراحوا يفتشون جيوب المنكوبين ويسلبون هواتفهم وأموالهم. ليس الشعب هم أولئك اللصوص الذين نهبوا الحقائب والمحافظ وما وصلت إليه اياديهم وسط الدماء والأشلاء والدموع والصرخات.
وليس الشعب أيضا هم كل سائقي التاكسيات الذين استغلوا الوضع، ورفعوا ثمن التذكرة الى الضعف، من أجل نقل الناجين من الكارثة للوصول إلى حيث كانوا متجهين، أو من حيث كانوا قادمين. لقد استغلوا رعبهم وقلقهم وانهيارهم إلى أقصى درجات الابتزاز. الشعب المغربي ليس هؤلاء اللصوص، الشعب هم أبناء الوطن الشرفاء الذي كانوا هناك بسياراتهم جنبا إلى جنبا مع أصحاب الطاكسيات، وتطوعوا عارضين خدماتهم بالمجان لإيصال المواطنين الى حيث يريدون. وهو ذاك الذي أظهر شبابه معدنهم الأصيل إناثا وذكورا، أولئك الذين وقفوا وقفة إنسانية اتجاه اخوانهم المصابين؛ من متابعة الأوضاع ثانية بثانية جعلت كل المغرب ينهض من خموله، إلى نداءات التبرع بالدم التي زعزعت كل مواقع التواصل الاجتماعي.
الشعب هو ذاك الذي لبى النداء، واتجه منه المئات إلى مراكز تحاقن الدم كي يعبروا عن تضامنهم اللامحدود حتى ضاقت بأعدادهم المراكز. وأعطوا الدليل على قدرة شعب عظيم على الالتحام والوحدة والانخراط طوعا في حملات لصالح الشعب والوطن دون دعايات رسمية ودون كاميرات.
فشكرا لك أيها الشعب المغربي العظيم . شكرا لكم أیھا المضحون بأوقاتهم كي ينقذوا أرواحا لا يعرفونها، فقط يجمع بينهم الانتماء إلى ىهذا الوطن. شكرا لأنكم أكدتم بأن الحكومة إذا كانت تشبه شعبها، فهي لا تشبهكم، وإنما تشبه الآخرين؛ تشبه أولئك الانتهازيون الذين كانوا في ساحة الفجيعة، وبدل أن يمدّوا أياديهم لإغاثة مصاب، مدّوها إلى جيبه لانتشال هاتف. ألا تبّا لكم جميعا
Facebook : Achraf Ben Jilali
Email. : [email protected]