هل كان لزاما علينا انتظار مشاهدة مقاطع فيديو لندرك حجم المعاناة التي يعانيها حجاجنا المغاربة كل سنة؟ هل كان لابد من رؤية دموع المسنين وشكاوى العجائز وآلام الكهول لنعي حجم الاهمال واللامبالاة التي يلقاها المغاربة من مسؤوليهم كل موسم حج؟ هل كان علينا أن نقرأ بلاغ وزارة الأوقاف لنتأكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الشعب في واد، وحكومته في واد آخر؟
لقد تسابقت المواقع في نشر تلك الفيديوهات، وتنافس المواطنون في نقل ومشاركة تلك الشهادات الصادمة، وأجمع كل المتابعين بأن المصيبة كبيرة. لكن الوزارة اكتفت بنشر بلاغ يتيم يعترف بأن المندبة فعلا كبيرة، ولكن الميت فأر. الوزارة في بلاغها وبكل بساطة نفت أن تكون المقاطع التي شاهدها الملايين تتعلق بالسنة الحالية، أي أنها مصائب تعود إلى العام الماضي… وهذا يعني ـ إذا كان كلامها صحيحا ـ أن الحجاج المغاربة نصيبهم دائما في الحج الإهمال والبهدلة، وأن لا أحد من مسؤوليها استفاد من الدروس. فهاهي نفس المشاكل تتكرر، ونفس المعاناة، ونفس الشكاوى… ونفس التوضيح الرسمي دون اعتذار لأي حاج أو حاجّة. كأن المسؤولين يرون دائما أن المغاربة لا يستحقون رعاية من الدولة تصون كرامتهم، حتى ولو كانوا عالقين في أكرم بقاع الأرض.
هذا عن وزارة الأوقاف الوصية على الحجاج، أما البعثة المرافقة التي من المفروض أن تكون رهن إشارتهم ليؤدوا مناسك الحج في أمان الله، فيكفي أن نعلم ان رئيسها هو وزير السياحة محمد ساجد لنضرب كفا بكف من الحسرة والأسف. فهذا الوزير الذي لا يستطيع حل أزمات بسيطة في حزبه، أو أية مشكلة في وزارته، كيف له أن يتدخل لحل مشاكل مواطنين مغاربة وصلت استغاثتهم إلى كل مغاربة العالم؟ فالكل ندد بما حدث للحجاج الذي رأوا فيهم أباءهم وأمهاتهم وإخوانهم. الكل غضب وانتفض إلا رئيس البعثة. الكل علم بما جرى إلا محمد ساجد. الكل شعر بالمهانة إلا هو. فالسيد الوزير حين تكلّم أعرب عن شعوره بالفخر والاعتزاز، قال إنه يفتخر بالطاقم الذي يعمل معه وبما قدّمه للحجاج، ويعتزّ بتبليغ دعوة الملك محمد السادس للعاهل السعودي لزيارة المغرب.
ربما الذين يعرفون المغرب ومسؤوليه لن يندهشوا كثيرا مما حدث، أي من عدم اهتمام البعثة المغربية بالحجاج. فهذا ليس اكتشافا جديدا. ولكن الجديد الذي فجّرته هذه الأزمة هو السؤال: "لماذا لم يقم السعوديون بما يجب لصيانة حقوق وكرامة المغاربة"؟
ربما هذا أول موسم يثير فيه المغاربة نقاشا حول السعودية والحج. والكثير منهم أخذوا بوعي يتساءلون عن استغلال السعودية للحج اقتصاديا وسياسيا؟
سندع الحديث عن المنافع الاقتصادية لهذه الخدمة، حيث تشكّل إيرادات الحج والعمرة المصدر الثاني للدخل بعد البترول. رغم أن السلطات السعودية تحاول في كل مرة أن تُظهر بأن خدمة الحرمين الشريفين لا تحقق أية أرباح للمملكة. وأن كل الملايير التي يسلمها أكثر من مليوني ونص حاج وحاجة بمحض إرادتهم تقربا من الله تصرف في خدمتهم وفي توسعة الحرم.
هذه السنة بالذات، ظهر وعي جديد يعيد التفكير في علاقة السعودية بالحج.
فالسلطات السعودية منعت مئات المسلمين من شعائر الحج لأسباب سياسية. بالأمس، كان الضحايا إيرانيين، والآن، صار القطريون الممنوعين الأوائل.
والسلطات السعودية أفسدت حج وعمرة العشرات باعتقالهم فور دخولهم أو عند مغادرتهم. وصار كل معارض لسياسة الحكم في السعودية ممنوعا من أداء الحج أو العمرة.
وتصوروا أن السلطات السعودية ومن أجل توسعة المسجد الحرام، وتشييد عشرات الفنادق الفاخرة، وناطحات سحاب تحتضن مراكز تسوق حول الكعبة… قد هدّمت حوالي 90 في المئة من الأحياء القديمة في مكة المكرمة والمساجد والمقابر والأضرحة والمنازل التاريخية، "لقد أزالت جميع بيوت ومقابر عائلة النبي والخلفاء الراشدين الموجودة هناك، وحوّلت منزل خديجة الزوجة الأولى للنبي إلى "مكان غير طاهر"، وهدّمت منزل عمه حمزة على الرغم من أنه صمد إلى ما يقارب 1400 عام".
وتصوروا أن الأرض التي ضمت أشرف الخلق، وأعظم أمة أخرجت للناس، لم يعلن منها عن اكتشاف أي شيء ذا قيمة يؤرخ لوجود هذا النبي وهذه الأمة. لا يعقل أن لا يعثروا على "كنوز" تحت الرمال التي جرفتها الجرافات، وتحت الأرض وهم يحفرونها بالآليات. والسؤال المحيّر: لماذا لم تتدخل اليونيسكو لحماية ما يعتبره أزيد من مليار بشر تراثه، وهي التي تعتبر مدينة لا يعرفها الكثيرون تراثا عالميا وجب الحفاظ عليه؟
ألا يدعو هذا إلى إحياء الدعوة بتفويت الحرمين إلى هيئة إسلامية تمثل جميع الدول الإسلامية؟ ألن يكون العمل على هذه الدعوة انتفاضة أمة ولو متأخرة ضد اتفاقية سايكس بيكو التي أهدت الكعبة للسعوديين؟ وإن كنت أشك في أن تكون هذه الدعوة الطيبة جزء من صفقة القرن من صفقة القرن الخبيثة؟
Facebook : Achraf Ben Jilali
Email : [email protected]