عزيزي مارك
أستغل وجودي بالقرب منك في هذه البلاد العظيمة لأشكو منك إليك. وأستغل لائحة الاتهام التي تخضع بسببها للاستجواب لأنضم إلى لائحة المستجوِبين وأسألك: بالله عليك ماذا فعلت بنا؟
أنا لا أسألك عن حكايات التجسس، فنحن ولله الحمد نتكفل بفضح انفسنا إن كانت لنا فضائح. وحياتنا الشخصية والعامة مفتوحة على الجميع. بل أسألك عن الجريمة التي ارتكبتها في حقنا بإنشائك لتقنية اللايف لكل مشترك لديك في عالمك الأزرق.
لقد كشفتَ للعالم كمّ الوساخة التي تعيش بيننا وننتمي إليها. وأخرجت من الظلام والحفر كائنات تتوسل الشهرة بأية طريقة، وتتزاحم فيما بينها لخلق البوز بأي أسلوب مهما كان سخيفا ومنحطا ومدمرا… وليسوا وحدهم المخطئين، بل إن المتابعين يملكون قدرا كبيرا من المسؤولية في كل ما تسير عليه الأمور نحو مزيد من العبث والقرف.
هل سمعت بسكينة؟ هذه فتاة مغربية مقيمة بإيطاليا، لم يكفها ما كانت تنشره من صور ولغة صادمتين، لقد استغلت تقنيتك، وأخذت تبث مباشرة علاقاتها الجنسية الحميمية. أي والله يا مارك. بشكل فج وفاحش ومنحط تستعرض هذه المسكينة لحمعها وأعضاءها التناسلية لتستقبل التعليقات الموحوحة…
قد تكون سكينة بكل تأكيد مهتزة نفسيا وممزقة وميتة من داخلها إلى درجة لم تعد تهزها شتيمة أو تخيفها فضيحة أو مطاردة وهي حرة في أن تخوض مع صديقها هذه المغامرة بوجه مكشوف، لكن الخطورة تأتي من أولئك الذين لا يقدمون عروضا فردية بل يدعون بأنهم يقدمون خدمات للناس… هؤلاء هم المجرمون.
عزيزي مارك، لقد جعلتَنا دون أن تدري ضحايا لكائنات غريبة صنعت لنفسها اسما ومكانة وأتباعا أكثر من أي مناضل حقيقي أو مفكر حقيقي أو عالم حقيقي، وأعطتهم جماهيريتهم شعورا كاذبا بأنهم فعلا مناضلون ومفكرون وعلماء. بل إن كوكبة من الدجالين خرجت فجأة من العدم وصارت تصرع الجن والمنطق كل يوم بالمباشر، وتستدرج الضحايا إلى حتفها.
كثير من الرقاة لا تجدهم رقاة إلا على الفايسبوك، يخططون لعملياتهم هنا، وينصبون بالدين والجهل كالعناكب على من يشاؤون بعيدا عن الأعين… اللايف لنصب الشباك، والخاص يتعهد بلف الضحية. وغير الرقاة هناك الكثيرون الكثيرون من المدمرين.
هل سمعت يا مارك بحسن يحيى؟ بالتأكيد لم تسمع به، لكنك تعرفه جيدا. إنه ماريو صاحب ليالي ماريو الذي يحقق أعلى نسب المشاهدة عبر اللايف، ليست لجودة الأفكار و إنما لإباحيته و هذا ما يجعل منه الأكثر مشاهدة ككل المواقع البورنوغرافية.
برنامج ليالي ماريو يدعو إلى نشر الحب و السلام في الظاهر، لكنه في الأصل ينشر الحقد والكراهية؟ فمثلا يقوم بالاتصال برجال ونساء في وقت متأخر من الليل بتواطؤ مع شركاء حياتهم، وأثناء الاتصال يتدخل على الخط ناشر الحب والسلام لإيهام المتصل مثلا بأن حبيبته رفقة شخص آخر، ولا يتوانى في أن تبادل الصراخ والسب و اللعن مع المتصلين بكل الكلام الساقط لتحقيق البوز.
ماريو أو حسن بنيحيى يحاول جاهدا إيهام الناس ان برنامجه هو برنامج مفتوح لمتابعيه من أجل البوح بما يخالجهم أو حلقة الاعترافات بالخيانة أو ليالي الفانطازم، ولكن في الحقيقة هو يصالح الآخرين مع خياناتهم وفظاعاتهم بل ويبررها حتى ليبدو هذا المجتمع الذي يحاول أن يتماسك بما تبقى من قيم وأخلق مجرد سجن كبير يجب التحرر منه، ومجرد جثة متعفنة وجب على الجميع دفنها.
عزيزي مارك
وحتى أكون منصفا، ليس كل من استغلوا تقنية اللايف في فتح نوافذ البوح للناس على شاكلة ماريو، فإن كان هو ميالا إلى تشتيت الأسر، وتدمير العلاقات والقيم، فهناك في الطرف الآخر، وعلى النقيض منه مثال يجعل من شعار لم الشمل مبدأ وهدفا، وهي صفحة بوب تارزا bob taza لصاحبها بوجمعة المقيم بفرنسا، والذي يبث على المباشر للراغبين بالزواج. هذا الرجل يمنح الكلمة لكل راغب في الزواج بتقديم نفسه صوتا وصورة، ويعرض مواصفات شريك حياته. مما ترتب عنه لحد الآن زواج أكثر من مائة شاب و شابة، وكل أعراس الزفاف بثت المباشر على صفحته الفايسبوك.
كيف يمكن الآن أن نقارن بين الرجلين؟ حتى وإن ادعى أي كان بأن بوجمعة هو الآخر تهمه المشاهدات واللايكات ككل هذه الكائنات الفيسبوكية، ولكن على الأقل بوجمعة واضحة نوايا برنامجه النبيلة، والأكثر من هذا لا يتوسل المشاهدات عن طريق الإباحية، أو انتهاك الخصوصيات، أو حتى السماح للمرضى والحمقى بالانخراط في مشروعه.
: فيكفي أن نذكر أن خلف هذه الصفحة يسهر جنود أدمينات يشتغلون 24 ساعة أبرزهم الطنجاوي المعروف بالخاوة، هذا الرجل يقضي ليلة بيضاء من أجل الحفاظ على نبل رسالة الصفحة، وحظر كل من يتجرأ على الراغبات في الزواج أو ينشر أي كلام نابي. وهناك أيضا تقف صفاء، المرأة الملكفة بغربلة منشورات بنات جنسها، ومراقبة كل الرسائل والتدوينات قبل نشرها على الصفحة.
هل أعجبك عزيزي مارك هذا النموذج؟ أنا أيضا أعجبني… وإن شهرته لم تبق محصورة بين طنجة و لكويرة، و إنما وصل صداها إلى أوروبا و امريكا، وأصبح أفراد الجالية هم أيضا أعضاء ناشطين للراغبين بالزواج. وكم شعرت بالسعادة حين وجدت صفحات فيسبوكية سعت إلى تقليد فكرة البرنامج والصفحة، واهتمت بجانبها النبيل والإنساني العميق.
نادرا، ما أعجبت بناشط على الفيسبوك إلى حد تخصيص مقال عنه. وها أنا أفعلها مع بوجمعة،كما فعلتها سابقا مع الدوك صمد الذي يبقى في نظري الطبيب الوحيد الذي يقوم ببث مباشر من أجل الرد عليك أسئلة متابعيه، يجيب على كل سؤال على حدة، مع ما يتطلب ذلك من مجهود خاصة و انه لا يستغل عيادته لبث مباشره اليومي.
عزيزي مارك
مثل بوجمعة والدوك صمد هو الذي يجعلني أغفر لك زلتك بإنشاء تقنية اللايف على الفيسبوك، لكن منظر سكينة وبرنامج ماريو وشعب الدجالين يجعلني أعود من جديد وأسألك، ماذا فعلت بنا يا مارك؟
Facebook : Achraf Ben Jilali
Email. : ahmed.achraf1@gmail.com