جميل جدا أن نرفع صوتنا عاليا في وجه رجل السياسة مطالبين إياه بضرورة الاشتغال بما يخدم المواطن والوطن وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
تلكم المطالبة الملحة التي ارتفعت وتيرتها بشكل منقطع النظير في الآونة الأخيرة وتزايدت أسهمها وارتفع لهيبها حتى أصبحت تتردد على لسان الصغير والكبير، العالم والجاهل ، النساء والرجال والولدان، وعمل من لا عمل له في كل وقت وحين، و في وسائط التواصل الاجتماعي، حتى ما إن طالعتها إلا وتلقفتك تدوينات ملونة ومزركشة من مختلف الأعمار والأجناس والطبقات والفئات تحض الفاعل السياسي على الاشتغال ثم الاشتغال أمرا وليس فضلا، بل وانبرت تدوينات ومقالات أخرى تدعو إلى سحب الثقة منه وشيطنته وسبه ولعنه، وكأن عجلة إدارة الشأن العام يمكنها أن تدور لوحدها بعيدا عن رجل السياسة..
أمام كل هذا وذاك وجد الفاعل السياسي – خصوصا من تقلد مهمة تدبير الشأن العام أو من حضي بمهمة تمثيل المواطن في المؤسسات التشريعية – نفسه مجبرا على ضرورة العمل والاشتغال استجابة للنداءات الداعية إلى ضرورة المبادرة السياسة المبنية على سياسة الأفعال لا الأقوال من جهة ، وتأدية لمهمته من جهة أخرى.
لكن الغريب كل الغرابة أن هؤلاء الذين يوجهون سهام النقد اللاذع هم بدورهم معنيون بتخليق العمل السياسي ومطالبون بالرفع منه إن كانت فعلا لهم نية الإصلاح.
ومع كل هؤلاء الأجناس نتساءل:
– أو ليس هذا السياسي الذي تلعنونه صباح مساء أنتم من صوت عليه وزغرد له ليلة نجاحه ؟؟
– أو ليس الأجدر بكم أن تعينوه على مهمته من باب "إذا أصبت فأعينوني وإذا أخطأت فقوموني" بدل تبخيس كل فعل يقوم به كبيرا كان أم صغيرا ؟؟
– أو ليس النقد من أجل النقد يهدم ولا يبني وطن ، يهدم المؤسسات ويشيع ثقافة التمرد ويكسر الثقة في أبناء هذا الوطن، حتى غدا كل مسؤول شيطان له زبيبتان في رأسه توجب الرجم حتى الموت والتبول على قبره ؟؟
– أو ليس الأجدر بنا أن نصفق لكل مبادرة ونشجعها حتى تنموا كفسيلة في مشتل الأمل ؟؟
– أو ليس من يشيع ثقافة التمرد وهجران الوطن مشارك في الجريمة الموجبة للمحاسبة من باب عبارات " المسؤولية تقتضي المحاسبة " التي تردد صباح مساء كمعزوفة انضجرت منها الأسماع ؟؟
– أو ليس البعض بل والكثير شريك في جناية التحريض على المؤسسات وشرفاء ونزهاء الوطن والنيل منهم ، ومن شرفهم، وتصريف الحسابات السياسوية الضيقة تارة، والاستجابة لما تمليه ويوحيه عليهم أصحاب الدريهمات المعدودة تارة أخرى ولو على حساب قضايا الوطن الكبرى ؟؟
– أو ليس من يمول بعض الأقلام المأجورة ويدفعها للبهتان وتبخيس وتسفيه بعض رجالات الوطن والدولة وتقزيم أدوارهم واقتحام حياتهم الشخصية مشارك في جناية قتل شعلة الأمل في أبناء هذا الوطن ؟؟ وما بعض النماذج التي يقوم خطها التحريري على هذا النهج عنا ببعيد ؟؟؟
– وأخيرا نقول : أن الكل مسؤول من موقعه ، فإما أن نخلق الحياة السياسة ونشيع ثقافة المؤسسات والثقة فيها، أو نتجه إلى التسفيه والتبخيس والتمرد .. وآنئذ سنكون قد اقتنينا آلة حربية جديدة من غير فِلْس؛ ستطحن الوطن بكامله من غير ضجيج .