
تلقیت دعوة عشاء من أحد الأصدقاء الأمریكیین الذي یشتغل في الوقت الراھن في منصب شرطة نیویورك، وتفاجأتُ حین نادى شخصا یعرفه لیقدّمه إليّ. فعرفت أنه مغربي من نواحي الدارالبیضاء. من المفاجئ حقا أن ترى مغربیا بالصدفة في أمریكا، وتجالسه على طاولة عشاء دون موعد.
كان المغربي شابا تجاوز الأربعین وإن كان لا یبدو علیه ذلك، حسن المظھر، لكن إصراره على الحدیث معي بالانجلیزیة حتى في مسائل شخصیة أثار تعجبي، وكان لابد لي أن أسأله بالعربیة إن كان لا یعرف العربیة، فتفاجأت به یتشنج ویشتم بانفعال اللغة العربية والشعب الذي مازال یتكلم العربیة. ھل ھذا ریتشارد عزوز؟ بالتأكید لا، ولكن غضبه وھو یتحدث عن المغرب وعن العرب ذكرني بعزوز. حاول صدیقي الأمریكي أن یھدّئه ویشرح له أن العرب لیسوا جمیعا كما یقول متحدثا عن المشاعر التي عاشھا متفجّرة في مطار نیویورك تعاطفا مع المسلمین ضد قرارات ترامب، وعن التعاطف الذي كان یبدیه ھو شخصیا في نفسه معھم.
وھنا، تدخل صدیقنا المغربي وأكد أن المتظاھرین لا یعرفون حقیقة المسلمین في العراق وسوریا، وكشف أنه ھو یعرفھم جیدا بحكم اشتغاله مترجما ضمن القوات الامريكية التي دخلت العراق فكان لا بد لي ان أرد و أبدأ في إحياء جرح المؤامرة الامريكية على بلاد الرافدين حيث أفهمت إدارة جورج بوش الإبن كل المدعمين لحربها على العراق أن الرئيس الراحل صدام حسين يعتبر من ممولي ھجمات 11 شتنبر، وأن الأسلحة الكیماویة العراقیة والمشروع النووي خطر عى أمن و سلامة امریكا. واضفت أن ما زاد من تأكید ھذا الطرح ھو خطاب كولن باول في مجلس الأمن. فلا احد ینسى تلك اللقطة الشھیرة التي عرض فیھا على المجتمعین قنینة أكد خلالھا أن بھا موادا محظورة دولیا، وصورا لمنشات نوویة… باركھا المصري محمد البرادعي الذي أعد تقریرا یؤكد الطرح الامریكي، وقد نال عن ذلك جائزة نوبل للسلام. فأین ھي ھذه الأسلحة؟
ظل الأمریكي صامتا یستمع إلي، فیما المغربي كان في كل مرة یبدي امتعاظه مما أتلفظ به، قبل أن ینھي الحدیث باستعلاء واضح قائلا یرید الانصراف: “على أي، لا یمكن أن اتحدث في ھذا الموضوع مع مغربي لم یقض في أمریكا إلا بضعة اشھر، ولم یذھب إلى العراق قط.
في الحقیقة، أنا انصدمت، وشعرت ببعض الحرج، و هنا قاطعته قائلا: أنا لا لست مقيما و لا أقطن بامريكا انا في مهمة إعلامية و ساعود لبلادي قريبا و هنا تدخل صديقنا الأمریكي ویفجر في وجھه مفاجأة. حیث قال . للمغربي في برود: أنا كنت ھناك، وكنت حاضرا یوم الدخول لبغداد یوم 9 ابریل ظھرت الدھشة علینا معا، وواصل حدیثه عن إحساسه بالفرح العارم ذاك الیوم لاعتقاده بأنه في مھمة انسانیة من الدرجة الاولى، وقد انتھت بإسقاط طاغیة قھر شعبه
غیر ان هذا الطرح سرعان ما تبدد بعد اجتیاح الفلوجة وكان شاھدا فیھاعلى المجازر التي ارتكبت في حق المسلمین المدنیین. وما زاد من إحباطه ھو أن الأجھزة الأمریكیة رصدت مكافآت مالیة لكل من ینفذ عملیة قتل في حق العراقیین. لقد تحدث عن الفظاعة التي عومل بھا أناس ابریاء ربط معھم علاقات وطیدة، وفطن عندھا للخدعة الكبیرة التي انطلت على الكثیر. تحدث الأمریكي بصدق، وظھر الأسى على صوته وفي ملامحه، تجعل كل ذي إحساس یصمت، إلا أن صدیقنا لم یصمت. وعاتب الأمریكي لأنه لم یدرك حجم الإنجاز الذي حققته أمریكا بالتخلص من أعتى الطغاة في العصر الحدیث، بل إنه أخذ یتحدث عن مشاركته في حرب العراق وكأنه شارك في تحریر القدس، خصوصا عن حصار واجتیاح الفلوجة، وكیف كان یشارك في اقتحام البیوت لیلا، و یقوم بالترجمة في الاستنطاقات. لم یكتف بالحدیث فقط بل قام من مكانه و بدا یجسد عملیات الاقتحام بحركات مثیرة تفضح اختلاله النفسي، قبل أن یترك الطاولة وینصرف غاضبا.أبدى صدیقي الأمریكي اعتذاره على دعوة أخینا ھذا بعدما كان یظن ان اللقاء سیكون مسلیا، وأخذتُ أسال: ھل ینام مرتاح البال لیلا؟ تعمدت أن أطرح السؤال على الأمریكي فأجابني بكل ثقة: لا. حیث أنه يعیش تحت رحمة المھدئات، وزیارة الاطباء النفسیین. بل إن كل العائدین من حرب العراق یحاولون تجاوز آلامھم بتقدیم المساعدة لكل عربي تكفیرا عن الإجرام في حق العرب. وما تظاھرات مطار نیویورك إلا تعبیر عن ھذا التكفیر عن الذنب.
انتھى الكلام، وتعشینا، فعدت إلى بیتي وأنا أتساءل في قرارة نفسي: كیف یعقل أن یبدي أمریكي غیر مسلم ندمه على ارتكاب جرائم في حق عرب مسلمین، وعربي مسلم لازال یفتخر بتلك الجرائم
Facebook : Achraf ben Jilali
Email : [email protected]