حين كنت أتابع اللقطات القادمة من كل مدينة مغربية الغضب الشعبي ضد الحكَرة، كنت أظن أني الوحيد من بين زملائي في الغربة من ينشغل بما يجري, باعتباري المغربي الوحيد القاطن في هذا الحي الاميريكي حيث الخضرة. و الوجه الحسن ، حتى تفاجأت بجاري المصري يسألني: “إيه يا عم؟ هو فيه ربيع عربي ثاني في المغرب ولا إيه”؟
هل هذه الخرجات هزة ارتدادية متأخرة للزلزال الذي ضرب الشارع العربي قبل خمس سنوات؟
ما وقع في الحسيمة ليلة الجمعة أكبر من أن يتحمله بشر بضمير حي. فأنا إلى الآن لا أستطيع تصديق كيف استطاعت يد تشغيل تلك الالة اللعينة لازهاق روح مواطن مغربي بسيط، حتى ولو كانت بالخطأ، كيف وصل بائع السمك الذي كان همهه الوحيد توفير لقمة عيش حلال إلى هذا المصير الذي طحن عظامه؟ طبعا، انا لا اصدق أن محسن قتل تلبية لأمر: طحن مو. أو تلبية لنزوة مسؤول أمني سادي، تطربه طقطقة عظام البسطاء في طاحونة شاحنة الأزبال. لكني لن أكذّب أن محسن طحنوا عظامه لأنه محكَور. ففي بلادي يموت الناس بالحكَرة، وبالشطط في استعمال السلطة. ومازالت رائحة احتراق مي فتيحة تطاردنا جميعا وتمنع ذوي الضمائر الحية من النوم.
بالله عليكم أيها المسؤولون في كل المواقع والمصالح والمكاتب، هل نمتم قريري العين مطمئني البال بعد هذه الجريمة الشنعاء؟ طبعا نعم، فحتى الذين تورطوا في دم محسن سينامون مرتاحي البال بعدما برأهم بلاغ رسمي براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وبعدما أقنعوا البسطاء بأن تلك الالة التى اهتزت و طحنت محسن، اهتزت وحدها و لم تكن هناك أيادي تحركها تعطيها الأمر بالدوران. هذا ما أعلنته مديريتكم العامة للامن الوطني. أنتم الآن في نظر القانون أبرياء، وفي دنيا الفناء أبرياء. لكن، سيأتيكم يومٌ تقفون فيه أمام الواحد القهار وتسألون: بأي ذنب قتلتم محسن؟
خرج المغاربة الأحرار وإن كانوا قلة مقارنة مع باقي الملايين من الشعب، لكن هذه الفئة القليلة نجحت في أن تقول لا للظلم، لا للحكَرة، لا لطحن المواطنين. لقد أصبحت اخشى على وطني من تجاهل مسؤوليه لرسالة المحتجين. اخشى ان يستباح دم اخواني و اخواتي بدون حسيب و لا رقيب بسبب عناد فاسدين يتجبرون، وينظرون إلى المواطنين كبقايا وفضلات ومهملات تستحق الدهس والطحن. بلدي الذي ضرب به المثل في العالم العربي باستثنائه و استقراره يدفعه المحرضون على مثل هذه الجريمة إلى الهاوية،
لم افهم كيف تأخر وزير الداخلية حصاد في الاعلان بصرامة وفورية عما يجب عمله، لماذا كان عليه انتظار تدخل الملك ليعلن ان وزارته ستتخذ الإجراءات والعقوبات المناسبة بعد نهاية التحقيق في وفاة محسن فكري، وأنه لن يكون هناك أي تساهل مع المتورطين. نعم لقد انتظر توجيهات من الملك وكأنه لا يعرف بحكم موقعه ما الذي ينبغي فعله. وكأن جلالة الملك لم يشتك من إهمال المسؤولين وانتظار تعليماته في كل صغيرة وكبيرة، وكأننا في بلاد لا يقوم مسؤولوها بواجبهم الا بعد قرص أذانهم.
مات محسن فكري، لكن ضمير الأمة لم يمت.
طحن شاحنة الأزبال محسن فكري لكن صرخته الأخيرة مازالت مجلجلة.
فيا أيها الوطن الذي يجمع شمل أبنائه، كيف تسمح بأن يطحن الشرفاء فيك والفاسدون العابثون بأمنك يستمتعون ويتجبرون؟ الطف بابنائك البررة الذين منهم يقتلون قهرا و يُهجّرون غصبا أو يطحنون طحنا. ولزميلي المصري فاقول: اطمئن يا باشا، نحن استثناء فعلا، ولن ننجر إلى الفوضى… لأن لا مشكل لدى الشعب مع النظام بل مع الفوضى. وسينتصر الشعب والنظام، وكل العابثين الفاسدين المخربين إلى جحيم. ولا نامت عيون الظالمين.
Facebook. Achraf ben jilali
Email. [email protected]
شاهد أيضاً
اليوسفية: مدينة تُقصى من الذاكرة الإعلامية رغم حضورها في قلب المشروع الفوسفاطي
الواجهة مرة أخرى، تجد مدينة اليوسفية، ذات التاريخ العريق في استخراج الفوسفاط، نفسها خارج التغطية …