عندما تبتعد عن الوطن، فإنك تراه بطريقة مختلفة عن السابق. تصبح مشتاق إلى أشياء تافهة، فقد عشت طول حياتك تراها أمامك ولا تهتم بها، وإذا اهتممت مرة فإنك تتساءل لماذا هي موجودة؟ لكن في الغربة، كل التوافه تصبح لها قيمة، أو تكتشف قيمتها التي لم تعرفها من قبل.
هذا ما وقع لي، فمنذ أيامي الأولى، وأنا دون شعور أقارن بين كل ما أراه هنا في أمريكا وما هو مثله في المغرب. ومن حسن حظي أني غادرت المغرب في أوج الاستعداد للانتخابات المغربية، ووصلت إلى نيويورك في أوج الحملة الانتخابية الأمريكية. ويا ربي ما هذا الفرق؟
لن أتحدث عن هذه الفروق، لكن ما يحدث في بلادي صار يهمني أكثر، ولهذا فإن ما فعله الزعيم الاتحادي ادريس لشكر أفرحني كثيرا، وجعلني أفكر في كتابة رسالة إليه، وأقول:
أيها الزعيم المبجل من أمريكا، من الدولة الداعمة للارهاب و للعدالة و التنمية ـ حسب وصفكم الشهير ـ أبعث إليكم هذه الرسالة للتعبير عن فرحتي بقراركم المشاركة في الحكومة، والسبب كما اعلنتم هو إنقاذ البلاد من حمام الدم، و تجنب السيناريو السوري. ألست انت القائل في تجمع يندرج في إطار الحملة الانتخابية لحزبكم بالقنيطرة: “يجب أن يعي المغاربة أن ما وقع في بلدان أخرى مثل سوريا وليبيا وغيرها غير بعيد عنا..وهؤلاء إذا استمروا بعد السابع من أكتوبر (وتقصد العدالة والتنمية) فأوضاعنا ستكون أسوأ من هذه البلدان”.
واستغرب ايها الزعيم كيف يهاجمكم الأصدقاء والأعداء على السواء. لا يحق لأي أحد لومكم على المشاركة في الحكومة، فانتم فعلتم هذا فقط لانقاذ الأمة من ويلات حرب أهلية لا يعرف خسائرها إلا انتم. ويجب أن تكونوا موجودين في موقع صنع القرار حتى لا يفعل بنكيران ما يهدد أمن الوطن.
أنا فرح وفرحتى لا توصف أيضا بأن يشارك في حكومة بلدي اشتراكي فاق ذكاؤه و دهاؤه كل السياسيين. فانتم تعلمون ان كل مؤتمري حزبكم بطالبونكم بالرحيل عن تسيير الحزب بعد حصولكم على 20 مقعدا. 20 مقعدا كافية لتعتذروا لكل القادة التاريخيين للاتحاد، ولكل الاتحاديين في العالم، ولما تبقى من المناضلين وتنسحبون. لكنكم لم تنسحبوا. فقط بعشرين مقعدا تعاملتم كما لو أن حزبكم فاق المائة مقعد؟
أنا فرح لأنكم بدهائكم ضمنتم المشاركة في الحكومة، وربما في أغرب تشكيل حكومي في تاريخ المغرب. ستشاركون رغم هزيمتكم الانتخابية المجلجلة، و بشروطكم. وجعلتم صاحب أكثر من 120 مقعدا يترجى رضاكم. وأعني به رئيس الحزب الذي شهد العالم على شتائمكما المتبادلة، حتى أطلق المغاربة على برلمانهم”برلمان السفهاء”. هل تذكرون يوم قال لكم بنكيران أنت سفيه، وأجبتموه أنت هو السفيه؟ وفي النهاية، يخطب الذي نعتموه بالسفيه ونعتكم بالسفيه ودكم. فعلا، إنكم تستحقون ان ترفع لكم كل قبعات العالم.
انا فرح، لأنكم تستعدون لتنصيب الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب. هذا المجلس الذي بسببه عاقبكم المغاربة، ولم يعطكم أصواته لتعودوا إليه، و أظهر لكم حجمكم الحقيقي في المشهد السياسي، بدا للجميع أنكم من المستحيل أن ترفعوا فيه الرأس ثانية، ولكن أمام الزعيم المغوار لاشيء مستحيل. لقد اشترطتم كما قالت الكواليس، رئاسة المجلس مرة واحدة.
أنا فرح لأن نفس الكواليس كشفت أنكم تطالبون بحقيبة وزارة العدل. فعلا، إنكم تستحقونها عن جدارة. أو لستم انتم محامي خالد اعليوة الذي خرج من السجن فقط ليدفن أمه ويعود على زنزانته، ولكن بحنكتكم اختفى عن الأنظار، و طمس ملف متابعته قضائيا، بل وفاز بصفقة حكومية. ألا تستحقون وزارة اسمها العدل عن جدارة؟
أنا فرح لأنكم تفكرون فقط في مصلحة الوطن. فقد شاركتم في المعارضة ونجحتم في منع الحزب الحاكم من الاستبداد بالقرارات، لم تجعلوه يرتاح حتى في إقرار القوانين التي وضعتموها أنتم. و لكم في صندوق المقاصة خير دليل. أو لم يكن مشروع إصلاح صندوق المقاصة فكرة اشتراكية أعد خطتها الحبيب المالكي و الدومو في حكومة اليوسفي و اقبر المشروع؟ لكن عند تقديمه للتصويت في عهد بنكيران طالبتم برفض المشروع. فقط من أجل التضييق على حزب وصفتموه بكل الأوصاف، بما لم يقله مالك في الخمرة حماية للوطن. ومشاركتكم الان مع نفس الحزب في الحكومة جاءت من اجل الوطن، من اجل أن تصححوا أخطاء هذا الحزب وحماية المجتمع من خطره. فعلا شكرا لكم، لانكم تحملون هم المواطن و جعلتموه من اولوياتكم.
و في الاخير يا سيدي، دعني أخاطبك خطابا جديا، حب الوطن لا يوجد في قاموسك أكثر من حب المصلحة والمناصب والسلطة والنفوذ و الاستوزار. لم تصن حزبك و قمت بتشتيت شمله، ووصفت مناضلي الحزب النزهاء بالاورام السرطانية، و لك في المرحوم أحمد الزايدي خير مثال.
لو كنت محبا لحزبك و لوطنك لاعتزلت عالم السياسة بعد نتائج الانتخابات ..لا ألوم بنكيران لقبولك في الحكومة، فهو لا مانع لديه أن يتآلف ويتحالف مع الشيطان من أجل ربح رهان تشكيل الحكومة. لقد تغير بنكيران فلماذا لا تتغير؟ خطابات بنكيران خلال الحملة ليست هي خطاباته اليوم. لقد عاقبك الشعب سياسيا وصوت على بنكيران كي لا يراك مرة أخرى. لكن بنكيران أخلف وعده، وجاء بك إلى الحكومة رغم هزيمتك النكراء. يا سيادة الوزير اذا لم تستحي فإصنع ما شئت.
Facebook: Achraf ben jilali
Email: ahmed.achraf1@gmail.com