شيء ما لا يبدو على ما يرام في عمل الأمن الوطني. كأنني أشعر بأن الاستراتيجية الجديدة التي أتى بها المدير العام الجديد السيد عبد اللطيف الحموشي لم يستطع بعض من الحرس القديم استيعابها وهضمها. صحيح أن ثمار هذه الاستراتيجية لا يمكن قطفها إلا بعد سنة أو سنتين.
ومع هذا لن يكون من الإنصاف أبدا أن ننكر تغير نظرة المواطن المغربي البسيط إلى هذا الموظف الساهر على راحته وأمنه، حيث بدأ يسود شعور ما بأن رجالات الأمن يستحقون أن ننظر إليهم بعين مغايرة، بعيدا عن الصورة القمعية النمطية التي ارتبطت بالأذهان لعقود طويلة، بل ويصل التقدير أحيانا إلى الافتخار بأسماء معينة تعمل في الظل أو تقف تحت بقعة ضوء.
مؤخرا، تعرفنا على رجلين يجسدان “العهد الجديدة لإدارة الأمن الوطني”، ففي أحد البرامج على القناة الأولى كان ظهور السيد نبيل حميمو ممثل لجهاز الأمن كافيا ليمنح المشاهدين شعورا بأنه من الممكن جدا أن يثير رجل أمن الاعجاب وهو على شاشة التلفزيون. فقد كان السيد حميمو رجلا امنيا تجاوز صورة رجل الأمن الكلاسيكي، كان أنيقا مثل أي ممثل سينمائي يتحدث لغة فرنسية سليمة كأي خريج من أرقى الجامعات، وكان رفقة فرقته كاريزما خاصة لا تخطئها العين ولا يتجاهلها القلب.
وظهر السيد عبد الحق الخيام ليقدم لنا النموذج الجديد في التعامل الإنساني حتى مع أخطر الإرهابيين حيث تأكد أن الموقوفين برغم خطورتهم، وبشاعة مخططاتهم، يحظون بكامل حقوقهم. إلى درجة أن هناك قسما خاصا للاتصال بالمحامين لتوفير كامل الضمانات. هذه الحقوق التي يوفرها السيد الخيام لم توفرها حتى أمريكا لمعتقلي غوانتانامو…
لكن، ما يؤسف له أنه لازال هناك بعض من العناصر الأمنية يهدّون كل شيء ضاربين بتعليمات المدير العام عرض الحائط تحت مبرر تنفيذ القانون ليصل ذلك حد ارتكاب الجرائم.
مؤخرا تلقى مدير نشر الجريدة الإلكترونية الواجهة لتهديدات خطيرة عبر هاتفه النقال من مجرم خطير سبق أن تداولت الجريدة خبر توقيفه من قبل العناصر الأمنية لحي مولاي رشيد، حيث توعد المجرم بعد مغادرته للسجن وعبر مكلمات مسجلة بالإقدام على حرق مكتب الجريدة والتصفية الجسدية لمدير النشر كرد فعل على الانتقام.
الحادث ورغم أنه ترك ارتباك كبيرا على سير عملنا اليومي، إلا أنه للأسف صدمنا في التعامل الذي أبداه رئيس الشرطة القضائية بحي مولاي رشيد والذي تجاهل التفاعل مع قضية خطيرة تهدد مؤسستنا الإعلامية، كما أنه تجاوز اختصاصه، حين صرح لمدير النشر أن هذه التهديدات ليس بعيدا أن تكون مفبركة من طرف مؤسستنا الإعلامية حيث رفض هذا المسؤول الأمني ونحن في مكتبه التجاوب معنا والإنصات لأي تسجيل صوتي ينذر بالأخطار الآنية التي كانت تهددنا على هاتف.
في نفس السياق، فإنه مباشرة بعد ان أحال وكيل الملك شكايتنا على الشرطة القضائية لأمن بن امسيك، لمسنا كم كان البون شاسعا في التعامل مع قضيتنا، حيث أخذت هذه القضية اهتماما كبيرا من قبل رئيس الشرطة القضائية لأمن بن امسيك والذي كان سريعا في جمع القرائن والوصول إلى الجاني واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
حالة أخرى تترجم بوضوح عدم استيعاب بعض الأمنيين للإستراتيجية العامة التي هندسها عبد اللطيف الحموشي، تتمثل فيما عاشه الشاب عبد الرحمن خيري البالغ من العمر 19 سنة، الطالب بمدرسة جورج واشنطن، والممارس لرياضة سباق السيارات، بل الحاصل مؤخرا على الرتبة الأولى عالميا بمصر لسائقي سيارات نيسان… عبد الرحمان عاش أسوأ كابوس في حياته حين كان يقوم بجولة تدريبية على متن دراجته النارية رفقة أحد أصدقائه، ذلك أنه تمت مطاردته من قبل عناصر من الصقور للاشتباه في عملية سرقة أحد الهواتف. وخلال المطاردة لم يكن هذا الشاب على علم أنه مطارد أو مطالب بالتوقف، لكن بمجرد ما فطن إلى هذا الأمر عمل على خفض السرعة للتوقف. إلا أن أحد عناصر شرطة الصقور وبكل وقاحة تجرأ وقام بدفع دراجة عبد الرحمان برجله حتى يفقد هذا الأخير سيطرته عليها، ليسقط بذلك الشاب عبدالرحمان مغشيا عليه.
بعد حادث السقوط تم الاعتداء على الشاب عبد الرحمان بالركل والرفس من طرف أربعة عناصر من شرطة الصقور، إلا أنه من سوء حظهم فقد رصدت كاميرات أحد المحلات الراقية بشارع المسيرة الخضراء حادث الاعتداء كاملا.
عند تفتيش الشاب عبد الرحمان لم تعثر عناصر الحموشي على أي شيء يدينه. وعند تأكدهم من براءته، تم نقله إلى الدائرة الأمنية 13 بشارع غاندي حيث تم الاستماع إليه في محضر بتهمة عدم الامتثال لرجال الامن. (هل عدم الامثثال كفيل بشن اعتداء فظيع كهذا؟ وأي قانون يسمح لرجل أمن بدفع مشتبه به وهو على متن دراجة نارية و دفعه حتى يصطدم رأسه بالرصيف؟)
بعد إحساس الضحية بألم شديد في الرأس، نقلوه إلى قسم المستعجلات بمستشفى ابن رشد، و هنا فضيحة اخرى تم ترك الضحيتين بسيارة الدورية الأمنية، و نزل رجل الأمن منفردا نحو قسم المستعجلات، و بعد فترة رجع وفي يده ورقة تحمل اسم الضحية و تاريخ 7 فبراير 2016 و الساعة 3:21 دقيقة و سبب زيارة Imprudence، بمعنى عدم الحذر و كأنه سقط من حفرة. (أية مصداقية ستبقى للمستشفى الحكومي بعد هذه الوثيقة؟
و بعد ذلك تم الإفراج عن الشاب و صديقه و هو في حالة يرثى لها، حتى أن الشرطة تركتهما في حالة مزرية يغادران دون ادنى احتياط لشروط السلامة.
بمجرد وصول الشاب خيري إلى منزل الأسرة، لم يستطع الحراك لينزل ويدخله. فطلب من سائق الطاكسي الاتصال بوالدته الذي طلب منها النزول لإنقاذ ابنها. و بمجرد رؤية حالة ابنها الكارثية اصيبت والدته بانهيار، ليتم نقله على عجل إلى مصحة دار السلام الخاصة. و هنا صدمة أخرى فالشاب خيري مصاب بكسر في رجله اليسرى، وكدمات خفيفة على مستوى الرأس، وقد سلمت له شهادة طبية تبثث العجز لمدة 45 يوم. و لحسن حظه الشاب أن نجا بأعجوبة من جلطة دماغية من شدة الاعتداء.
وضعت العائلة شكاية بتاريخ 9 فبراير 2016 رقم التسجيل 92-16، و هنا تظهر على الخط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي قامت بواجبها على احسن وجه، حيث استمعت للضحية و صديقه، و تمت الاستعانة بأشرطة كاميرا المراقبة التابعة للمحل التجاري الذي صور الاعتداء.
وعند مشاهدة القرص أصيبت الأم بحالة هستيرية، ولم تستطع متابعة باقي التسجيل. (بشهادة الأم و ابنها فإن الفرقة الوطنية تعاملت معهما بأدب و احترام حتى أن الشاب عبد الرحمن نتيجة هذا التعامل أصبح يجدد الثقة في رجال الأمن بعدما أصيب بفوبيا البوليس). و أرسلت الشرطة القضائية محضر الاستماع بتاريخ 11/4/2016 رقم الإرسال 2016/3115/92. و مع مرور الوقت اكتشفت عائلة الشاب أن الملف تم حفظه بتاريخ 30 ماي 2016 لانعدام عناصر الاتهام.
فمن هذه الجهة القضائية التي اصدرت هذا القرار؟ و لماذا لم تتم مواجهة الضحية برجال الأمن أمام سيادة وكيل الملك علما أن الملف كان حديث الصحافة الوطنية بجريدة الصباح بتاريخ 4 مارس 2016 و جريدة البيان بتاريخ 4 مارس 2016، وكانت هناك شكاية مفتوحة إلى السيد وزير العدل بجريدة المساء بتاريخ 8 شتنبر.
الشاب عبد الرحمن خيري لازال يعاني ويلات تلك الليلة السوداء، حيث لازال يتابع العلاج عند أحد الأطباء النفسانين قبل الالتحاق بإحدى الكليات بميامي الاميريكية.
ولازالت العائلة تحتفظ بالأمل لرد الاعتبار لابنها و كلها أمل في السيد عبد اللطيف الحموشي لإجراء بحث داخلي حول الحادثة، و كلها أمل أيضا في السيد حسن مطر الوكيل العام الذي لن يرتاح ضميره إلا إذا أوقف المعتدين، وأعاد لأحد شباب هذا الوطن اعتباره، وإيمانه بنزاهة الشرطة المغربية، وعدالة القضاء المغربي.
هل أقول كلنا الشاب خيري؟ نعم. كلنا ذاك المواطن الذي تنتهك حقوقه بدون ذنب، كلنا ذاك الشاب الذي نجا من محاولة اعتداء دون أن تصل العدالة إلى المعتدين.